الامومة
ياالله ! كم أنت رحيم بنا لتمنحنا أغلى جوهرة في الوجود وهى الأم, هى أساس التربية, هى منبع الحنان هى صدر الرحمة, بأيديها تبنى أمماً وبأيديها أيضاً تهدمها فكما قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
ألم نتساءل يوماً لماذا حظت الأم بهذه المكانة ؟ لأن الله قد ألقى فى قلبها عاطفةً إذا وزعت على كل مكان فى الأرض لحولته إلى جنة تسر العيون وتبهج القلوب ألا وهى عاطفة الأمومة.
إذا نظرت حولك فسوف تجد أن الأم هى أكثر من تتعب من أجل أبنائها . ألم يكفها تعب الحمل والوضع والتربية ؟ لا , ولكنها تسهر وتحزن عند مرض وليدها, وفى نفس الوقت فهي لم تتهاون فى حق بيتها وزوجها وأهلها . لقد رفع الله من مكانة الأم وجعلها نجمة تتلألأ فى سماء المشاعر , تمد غيرها بالحنان والعطف والرحمة لتنشر الخير والسلام فى جميع أجزاء الكون فتفيضه بهجة وسروراً .
ماذا فعلنا لنكافئ هذه الأم العظيمة ؟ مهما تفعل لتبلغ رضاها فلن تستطيع – أنت – أن تكافأها على ما فعلت.
لقد حث رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) على حسن معاملة الآباء والأمهات فعلينا طاعتهم فى جميع الأمور إلا إذا كانت معصية لله وعلينا البر بهم والإحسان إليهم وعدم التضجر من أوامرهم ولكن هناك من لايصغى لهذه الواجبات ويتجاهلها أيضاً ويرد على الإحسان بالإساءة . أظنك قد فهمت ما أعنى . إن ما أعنيه هو أن بعض الأبناء لا يحترمون آبائهم ولا أمهاتهم وليس هذا فقط وإنما منهم من يعتدي عليهم بالضرب والإساءة. أهكذا كان جزاء العطف والحنان والأمومة المتدفقة من قبل الأم والجهد المتواصل من قبل الأب ؟
إنما أرى أن الأم قد سببت جزءﴽ من هذه المشكلة , فعاطفتها الجياشة تجاوزت عن بعض التصرفات التي بدت من الأبناء سواء بعمد أو بغير عمد .
يجب على الأم أن تفتح صدرها لابنتها دائماً تتحدث معها كصديقة وتفتح لها قلبها ويكونان على صراحة دائما فبذلك تأمن الأم على إبنتها وتحظى بحبها لها واحترامها لها أيضاً .
أما تجاه الابن فعليها أن تعامله كرجل يستطيع أن يتحمل المسئولية كاملة على عاتقه وينتهي عن اللهو والعبث وهذا كله مع شيء من حنو قلبها ورقة شعورها حتى لا يكون رجلاً فظاً قاسياً لا يعرف الحنان و العطف , وبذلك فقد استطاعت أن توظف عاطفة الأمومة لخدمة أبنائها وتربية نشء واع واضح الهدف يجمع بين القلب والعقل أي يجمع بين الرحمة والعطف والشفقة وبين الرزانة والجد والمسئولية .
ومما سبق نخلص إلى أن الأمومة عاطفة بيولوجية ونفسية , فالأم هى التي حملت ووضعت وأرضعت (بيولوجية) وهى التي حنت وعطفت وربت (نفسية). ولكن هل تحمل كل أنثى فى قلبها ونفسها عاطفة الأمومة بدرجة متساوية ؟ إذا نظرنا حولنا فإننا نجد أن البعض يفتقدها ليس كلياً بل جزئياً أي أنه من الممكن ألا تتمكن الأم من تربية الأبناء وبذلك فقدت الجانب النفسي . وهناك من لم يُرزقن بأطفال وبذلك فقدن الجانب البيولوجي . ولكن هذه العاطفة موجودة أصلاً فى الأنثى حتى وهى صغيرة فقد لاحظ سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) هذه العاطفة على السيدة عائشة وهى تلعب بعرائسها مسرورة فرحة .
وهناك نقطة لابد من إلقاء الضوء عليها وهذه النقطة عن كيفية تربية الأم لابنتها على الأمومة فى المستقبل , كلنا نعلم أن هذه العاطفة غريزة وفطرة زرعها الله فى أرض خصبة وهى قلب الفتاة , ولكن هذه النبتة تحتاج إلى من يرعاها , فالأم إذا لم تعط الأمومة الحقة لأبنائها , ولم تكن أماً جيدة تجاههم فإنها بذلك تنمى داخل إبنتها شعور رفض الأمومة.
فبذلك أضعفت الأم نبض الأمومة فى نفس إبنتها . ومعنى ذلك وجود تفاوت واضح وكبير فى الأمومة بين النساء . فما سبب هذا التفاوت ؟ إن هذا الإختلاف يرجع إلى الوعي والعلم والثقافة لدى الأمهات . فمن تكن لديها ثقافة وافرة وعلماً نافعاً يوسع من آفاق عقلها فقد استطاعت أن تحسن استخدام عاطفة الأمومة واستطاعت أن تطبق ذاك العلم عملياً بطريقة تخدم من حولها , ومن لم تكن لديها ثقافة وعلم فإنها تهدم مجتمعها كما ذكرت من قبل . ونتيجة لذلك فأن هناك رباط وثيق بين وسائل الإعلام والإستفادة من الأمومة . فكلما إزداد الوعي والمعرفة زادت القدرة على تربية الأبناء تجاه الطريق الصحيح و بالأسلوب الصحيح .
فيا أمهات المسلمين , يا من تملأن العالم حباً وعطفاً , حافظن على أبنائكن و بناتكن يسترح بالكن فى الدنيا والآخرة ويرض الله عن هذا النشء الغض الواعي ويرفعه أعلى المراتب فى الدارين جزاءﴽ لما يقوم به من إعلاء شأن الإسلام و رفع رايته دائماً و استرجاع عصوره الزاهية التى كان فيها نجماً يهدى جهل الغرب إلى التقدم و الرقى و تنوير العقل .