قلت إذن..أبحث عن إجابة..لأسكته بها..لكن أين أنا من الإجابة..!!...ظللت ألتفت من حولي..أراقب وأنتظر حدوث شيء ما علّي أقتنص إجابة...لكن لا فائدة...فالأحداث متكررة..متبلدة..بل ومتعفنة !!..لا جديد فيها ولا مثير...وحينها علمت بالطبع أن ما سأكتبه ليس مقالا.
إذن لربما كانت خاطرة أجبّ من خلالها بعضا من تلك التي تدعى "الهموم"..لكن أي هموم تلك التي تحتويني.وأنا الذي لم يمت له إبنا..أويغدر به صديقا..أو يسرق قلبه حبيبا..
قلت لربما كان شعرا ما سأكتبه..لكن هيهات من ذلك..فأنا عديم المشاعر..وإحساسي متبلد كتلك الحياة التي خلفي...فأنا الذي أرمق الحياة بعين بليدة..خاملة....الكل يتفاعل مع حواياها ..فمنهم من يرقص طربا فرحا...ومنهم من يرقص ألما وحزنا...وأنا أنظر اليهم وأتابعهم..دون تفاعل...او حتى دون شغف يدفعني لإكمال نظراتي ومراقبتي لهم...!!!....
المهم في ذلك كله أن ما سأكتبه ليس شعرا..وليس مقالا او خاطرة !!
قلت لنفسي ربما تكون تلك السطور هي قصة..أروي أحداثها...لكنني لست قاصا..لأروي وأحكي...ولست كاتبا..لأتخيل وأسرح بقصة من عناقيد فكري...فأنا أبسط من ذلك بكثير.
ظللت حائرا..ساهرا..أبحث عن مسمى لما سأكتبه عبر تلك الورقة البيضاء...وأنا في ذلك كله...أسابق الوقت لأن الضمير يحتاج الى إجابة فورية.
لم يكن أمامي حلا سوى أن أقتل ضميري..نعم أقتله ..لأصمته...علّي أستطيع أن أفكر بهدوء في غيبة حضرته لعلي أصل في نهاية مقامي الى مسمى لما سأكتبه...أو لربما أكتب ما سأكتبه دون تحديد مسمى لذلك المكتوب.
عليّ أن أفعل ذلك...لأنه من المهم لي أن أكتب...لا لأني كاتب وإنما لأني...إنسان !!
كلما هممت لأن أكتب...أهابني تلك الوقفة التي يقفها أمامي ذلك الضمير...فهو نحيف البدن لكنه طويل القامة..يضع كلتا يديه السمراوتين حول خصره...وينظر إليّ مبتسما تلك الابتسامة الصفراء...ربما أراد أن يذكرني بالسؤال الذي طرحه عليّ آنفا...يا له من وغد !!
ربما كان عليّ..أن اتحرى ذلك الوقت الذي يكون فيه الضمير نائما لأمارس ما أمارسه من كتابة..دون تحديد لمسمى ما أكتبه..
نعم..سأستيقظ مبكرا...وسأخطو خطوات مقتديا بتلك "السلحفاة" التي يربيها جارنا البدين...حتى أصل إلى مكتبي...ومن ثم أجلس على الكرسي وأمسك بقلمي المحبب لديّ..وأبدأ في الكتابة...في كتابة أي شيء...دون قيود ..دون خطوط حمراء...والأهم دون مسمى !!
لكن مهلا...كلما فعلت ذلك...استيقظ ذلك الوغد المسمى ضميري...ولا أعلم من الذي يوقظه في تلك الساعة تحديدا...فيقول لي...عن ماذا ستكتب يا "جسد"...؟؟...
أحاول أن أستعطفه نحوي...فاتلعثم في الكلام...فيعلم أني كاذب...كاذب....أحاول أن أظهر له ضعفي ليرحمني فأنفعل في كلماتي واصخب في عباراتي فيعلم أنه مازال بي قوة...أحاول في ذلك وانا أقول له : دعني ايها الضمير ....دعني أكتب ما يحلو لي !!!
فينظر نحوي باستهزاء ثم يلتفت مدبرا ويقول ساخرا...حسنا حسنا..افعل ما يحلو لك..لكن اعلم أنني سأنغص عليك حياتك لاحقا .وسأشعرك بالندم بكل كلمة كتبتها في كل دقيقة من عمرك..وستقضي باقي أجلك راكعا نحوي..خاشعا..تصلي من أجلي...وأنا أعلق العفو فوقك فلا تصل اليه...وتحاول أن تشرئب لها...دون جدوى...!!....
فأنطلق نحوه...أحاول ان أستسمحه..وأسترضيه وأظل ألاحقه حتى يهرب مني داخل بيتي..أبحث عنه في كل مكان..ربما أردت أن أجده لأسترحمه...أو لربما أقتله..لكنني لم اجده..أكثر من ثلاث ساعات من البحث المتواصل عن ضميري لكنه اختفى تماما بين أثاث بيتي...حتى أرهقني التعب...فغفلت للحظات..مفترشا على الأرض...فأيقظتني أشعة الشمس الحارقة..مصطحبة معها بعضا من الآلام التي يعود مصدرها لمفاصل جسدي .!!
لا أملك وقت للراحة أو النوم...عليّ أن أذهب الى عملي....
أعود من عملي..فأرى ذلك الضمير يجلس على تلك الأريكة الكبيرة المواجهة للتلفاز ويشاهد أحد برامجه بلهفة وشغف كبيرين..وأقرر أن انغص عليه كما يفعل هو بي...فاقتربت خطوتين يمينا نحوه..أتحرك ببطء شديد.فكلما كانت خطواتك بطيئة كانت نسبة المفاجأة أكبر...اقتربت من الأريكة من خلفه...وفجأة استوقفتني فكرة...ربما كانت عبقرية في ذلك الوقت....
فقلت لنفسي ..لم لا أنتهز فرصة انشغال ضميري بالتلفاز واذهب الى مكتبي واكتب ما اشاء !!
بدأت باستبدال اتجاه خطواتي...وعطفت بجسدي من أقصى اليمن الى أقصى اليسار المؤدي الى غرفة مكتبي!!...تحركت ببطء شديد...ووصلت بالفعل الى غرفة مكتبي...وكنت في كل خطوة اخطوها انظر خلفي ناحية الأريكة التي يجلس عليها ضميري...فأجده منهمكا في المشاهدة..فأنهمك انا أكثر في الخطو قدما نحو باب الغرفة...وعندما وصلت..فتحت الباب برفق..وأغلقته برفق ..حتى لا يجذبه صوت فتح وغلق الباب...ودخلت مكتبي متلهفا للكتابة...متشوقا لقلمي.. الذي غاب عني كثيرا ولكن فجأة..وجدت ذلك الضمير يجلس على كرسي المكتب أمامي...."يا لك من وغد " قلتها في سرّي....نظر اليّ كعادته باستهزاء ثم قال : لن تستطيع أن تضحك علي يا فتى !!
خرجت من غرفة مكتبي وانا ألعن فيه..وألعن في كل شيء من حولي...فأي ضمير هذا..الذي يستقوى عليّ..واذا كان قويا بهذا الشكل..فاين كان اذن أثناء ارتكاب الناس لجرائهمهم !!
كل يوم يمر عليّ لا أكتب فيه.. أشعر وكأني في بئر خاوي..بدأ يتخلله الماء ويرتفع منسوبه تدريجيا..وأخشى من ذلك اليوم الذي سيصل فيه منسوب الماء الى خصيلات شعري حينها أصارع الغرق..وسأغرق حتما بلا رحمة....أعمل جاهدا للخروج من ذلك المأزق...حتى جاء ذلك اليوم
في ذلك اليوم قررت أن أبحث عن طريقة لقتل ذلك الضمير ..كما يفعل الناس...لكني لم أتوصل الى فكرة...لكني توصلت الى من سيوصلني الى الفكرة !!!
إنه "حسن" صديقي...لقد استطاع أن ينال من ضميره عندما اعتدى على زوجته ضربا...بل وأهانها..وأحسّها بالضعف..عندما قيّد زوجته...وقيّد فكرها..يا له من قاتل محترف....كيف قتل ضميره عندما كان يعامل زوجته على انها قطعة شطرنج يحركها كيف ما شاء...إنه بلا شك صيد ثمين...وسيخبرني كيف اقتل ضميري
سأبحث عن رقمه في أجندة التيليفونات....هيا
ح...ح...ح...حس....حس...حس....حسن !! هذا هو..ياااه لقد مرّ زمن بعيد دون أن أتحدث معه...ياترى ماذا سيقول عندما يسمع صوتي...؟؟.....أعلم أن الوقت متأخرا..لكن الحاجة تبرر الوسيلة...هيا
اثنان...ثلاثة...واحد...صفر...ثمانية..تسعة ..تسعة..اربعة
جرس..جرس...هيا أجب يا حسن...هياااا...لا يرد هذا الأحمق...سأجرب ثانيا
اثنان ..ثلاثة...واحد..صفر...ثمانية...تسعة..تسعة...اربعة
جرس جرس.. لا يرد ايضا ذلك الأحمق....
هذه هي الحياة كلما احتجنا الى ذلك الشيء الذي يتكرر باستدامة أمامنا لا نجده !!
هذه هي المرة السابعة عشرة التي أحاول الاتصال بها على "حسن" لكن دون فائدة..فاليذهب الى الجحيم ذلك الوغد...مهلا..
لم لا أتصل ب "أحمد" حيث إنه قاتل شرس...قتل ضميره حينما اعتدى على والده...قتل ضميره حينما ضرب أمه الضعيفة...يبدو أنه الاختيار الأمثل بالنسبة لي..فمن يعتدي على ابويه..ويسبهما ويحتقرهما...بلا شك قاتل ضمير من العيار الثقيل !!
..سأتصل به الأن...لكن مهلا...الوقت متأخر !!..لا يهم فالغاية تبرر الوسيلة..سأبحث عن اسمه في تلك الأجندة السوداء
أ...أ...أحمد!! هذا هو.. متفائل باسمك يا صديقي الوغد !!
ما هذا...إنها تلك المرأة الحمقاء ال.........التي تطالبني بإعادة المحاولة مرة أخرى...لافتة الى أن هاتف أحمد مغلق...يا لها من امرأة خبيثة !!....كل المصائب تأتي من النساء...وكأن النساء هن مصدر الشقاء والتعاسة...يا لكنّ من خبيثات حمقاوات....
إن صوت تلك المرأة وهي تخبرني بأن هاتف "أحمد " مغلق...مشمئز للغاية....حتما سأفكر في قتلها بعد ان أقتل ضميري
مهلا بما أنني أتحدث عن النساء الخبيثات...لم لا أتصل ب "إلهام " ...نعم إلهام...انها امرأة قوية...استطاعت ان تقتل ضميرها حينما أهانت زوجها...حينما أفشت اسرارهما الزوجية...حينما اعتقدت بان عدم الانصياع لأوامر زوجها يعد قوة في شخصيتها...عندما تحدثت من خلف زوجها غيبة لصديقاتها الخبيثات..وكأن الذي يعاشرها هو عدوها وليس زوجها والد اولادها !!...قتلت ضميرها عندما أهملت بيتها واطفالها...وظنت أن النجاح هو نجاح العمل...يا لها من غبية..نسيت أن تربية الأولاد عمل ايضا والنجاح فيه ليس سهلا !!!
سأجرب أن اتصل بها الأن...فربما أعانتني على طريقة لقتل ذلك الضمير ..مهلا..لقد نسيت ان إلهام قد غادرت القاهرة وتعيش الأن في قطر مع زوجها السادس !! يا لهذا الحظ العاثر...ربما كان لضميري دخل في احداثه..
يا الله ماذا سأفعل في ذلك الوغد الذي ينتظرني خارج غرفتي !!
ربما كان عليّ أن أغير من طريقة تفكيري...لما لا ابحث عن إجابة..وأنهي ذلك الصراع..إجابة مؤقتة.."كدبة بيضا"..أتحايل بها على ذلك الضمير...لكنه سيكشفني ..أعلم ذلك..
وسيعاود تهديدي...واستشعاري بالندم لاحقا...فأنا أعرفه ذلك الحقير !!.....والحل إذن؟؟!!
رك...تيك...تيك...رك.........ما هذا الصوت...ربما كان ذلك الضمير يعبث بمطبخي....لا لا..إن مصدر الصوت خارج البيت...لحظة...سألقي نظرة عبر نافذتي.
يا الله...إنها عدالة السماء..انه لص يحاول سرقة سيارة...بالتأكيد..قد قتل ضميره قبل ان يأتي للتو..سأنزل مسرعا...لاسأله كيف فعلها !!!
بخطوات بطيئة كالعادة...أخرج من غرفتي ومنها من بيتي....أقترب من اللص بهدوء...واقول له..مرحبا يا سيدي...
نظر اليّ اللص وقال : من انت ؟
قلت له : بي حاجة؟
حاول اللص الهرب..لكني كنت ممسكا به ببراعة...ويا ليتني لو استطعت أن امسك بضميري بهذا الشكل لأنال منه...قلت للص : أريدك أن تعلمني كيف قتلت ضميرك قبل أن تسرق السيارة؟؟
نظر اليّ بوجس وقال لي : اتريد أن تعرف؟؟
قلت له : أرجوك..!!
قال لي : ولم تريد أن تقتل نفسك !!!
قلت له : يا ايها الحمق..أقول لك أريد ان اقتل ضميري !!
قال لي : كفى كذبا على نفسك...فأنت الضمير !!! والذي يمكث في شقتك هو الجسد!!!
قلت له ..لا لا لا يمكن مستحيل...انا الجسد
قال لي : مسكين أنت أيها الضمير...عبث بك صاحبك حتى أنساك هويتك
غادرني ذلك اللص... الذي اعاد لي حقيقة أمري...التي لم اتوقعها...او كنت متوقعها لكني حاولت نسيانها...
غادرني ذلك اللص...الذي عادة ما يأخذ من الانسان شيء ما...لكنه أعاد لي هويتي الضائعة
فأنا كنت طيلة الوقت أظن نفسي الانسان المغلوب على أمره....لكنني كنت الضمير...
نعم...لقد تذكرت الأن.....فأنا هو الضمير...وما يمكث في بيتي هو الجسد !!!
أنا الضمير المغلوب على أمره هذه الأيام...أنا الضمير الذي لم يعد له سلطان على صاحبه....أنا الضمير الذي أصبح يتأثر ولا يؤثر......للأسف....أنا الضمير...يا ليتني كنت جسدا !!!