و أنا أعد شاى الصباح ، لاحظت قطار النمل يتحرك على الجدار
القريب ، أمامى. مددت يدي مصوبا سباباتى إلى منتصف القطار، قاصدا مشاكسة النمل،
أو ملاعبته، لكننى وجدته فى جنون الفزع - من إصبعى! - يفر فى كل اتجاه، حتى
أن بعض النمل كان
يسقط عن الحائط. ولمحت نملتين وقعتا على جسم (الغلاية) التى تسخن .. ورحت أراقب النملتين فى المحنة: الغلاية
تزداد سخونة، والنملتان تحاولان الخلاص .. إن هما عمدتا إلى الهبوط وجدتا نار الموقد تفتح لهما الفم الحارق. وإن صعدتا حتى
الفوهة، يرجعهما الماء الذى بدأ بالغليان يفور. والسطح الذى تفران عليه يسخن.. يسخن..
تتلهوج النملتان فرارا فى كل الاتجاهات، تصعدان، تهبطان،
تتصادمان، تتنائيان، تقتربان، ثم فجأة يدركهما السكون!
هل هى لحظة التسليم للموت، أم هى لحظة للتفكير فى مخرج؟
أنحنى مدققا النظر، فألمح النملتين ترتعشان على سطح
الغلاية المحمى. إنهما على وشك الاحتراق.
وبينما كانت الغلاية تئز، ويلتهب سطحها، تفاجئ عينى
واحدة من النملتين
بحركة لابد أنها كانت ذروة المخاطرة بالنسبة لها، إذ تقفز فى الهواء مبتعدة، بينما كانت الأخرى،
فى حصار المحنة، تسكن مستسلمة.. تتقلص محترقة، وتتفحم. تصير نقطة رفيعة سوداء، تتلاشي..تتلاشي.
وأبحث عن المخاطرة، التى قفزت من دائرة الموت الأكيد إلى
فضاء الهواء المجهول (بالنسبة لحجمها)، فأجدها.
ها هى ذى تجرى -فى الأمان- على رخامة المطبخ.. أمد لها
يدى برفق، برفق. تصعد على إصبعى، وأنقلها إلى الحائط، ثم أتابعها ببصرى، وهى
تجرى.. تنتظم فى قطار النمل الذى عاد يتكون من جديد.
د. محمد المخزنجى