جاءتني امرأة ببغداد، ليلة من الليالي، فذكرت أنها من بنات الناس،
وقالت: أسألك بالله أن تسترني،
فقلت: وما محنتك؟!،
قالت :أكرهت على نفسي وأنا الآن حامل، وبما أنني أتوقع منك الخير
والمعروف، فقد ذكرت لكل من يعرفني أنك زوجي، وأن ما بي من حمل إنما هو
منك فأرجوك لا تفضحني، استرني سترك الله عز وجل.
سمعت كلامها وسكت ع...نها، ثم مضت. وبعد فترة وضعت مولوداً،
وإذا بي أتفاجأ بإمام المسجد يأتي إلى داري ومعه مجموعة من الجيران
يهنئونني ويباركون لي بالمولود.
فأظهرت لهم الفرح والتهلل، ودخلت حجرتي وأتيت بمائة درهم وأعطيتها للإمام
قائلا: أنت تعرف أنني قد طلقت تلك المرأة، غير أنني ملزم بالنفقة على المولود،
وهذه المائة أرجوك أن تعطيها للأم لكي تصرف على ابنها، هي عادة سوف
أتكفل بها مع مطلع كل شهر وأنتم شهود على ذلك..
واستمررت على هذا المنوال بدون أن أرى المرأة ومولودها.
وبعدما يقارب من عامين توفي المولود،
فجاءني الناس يعزونني، فكنت اظهر لهم التسليم بقضاء الله وقدره،
ويعلم الله أن حزناً عظيماً قد تملكني لأنني تخيلت المصيبة التي حلت بتلك الأم المنكوبة.
وفي ليلة من الليالي، وإذا بباب داري يقرع، وعندما فتحت الباب، إذا بي أتفاجأ
بتلك المرأة ومعها صرة ممتلئة بالدراهم،
وقالت لي وهي تبكي: هذه هي الدراهم التي كنت تبعثها لي كل شهر مع إمام
المسجد، سترك الله كما سترتني
حاولت أن أرجعها لها غير أنها رفضت، ومضت في حال سبيلها.
وما هي إلاّ سنة وإذا بها تتزوج من رجل مقتدر وصاحب فضل،
أشركني معه في تجارته وفتح الله عليّ بعدها أبواب الرزق من حيث لا أحتسب.
العبرة
-------
من ستر على مؤمن ستر الله عليه في الدنيا والآخرة
فيها قصة الشهامة والرجولة
قصة المؤمن المؤتمن على اعراض الناس
والجزاء من جنس العمل
فاذا اردت ستر الله في الدنيا والاخرة ، فاستر على عباد الله
فليس كل ما يُعلَمُ يقال
كلنا خطاء، وخير الخطائين التوابون
إذا أراد المسلم أن يستر أخاه،
فإن هناك شروطًا لابد أن يراعيها عند ستره؛ حتى
يحقق الستر الغرض المقصود منه، وأهم هذه الشروط:
* أن يكون الستر في موعده المحدد له؛ فيستر المسلم أخاه عند فعله للمعصية
وبعدها، بألا يتحدث للناس بأن فلانًا يرتكب المعاصي.
* أن تكون المعصية التي فعلها المسلم لا تتعلق بغيره ولا تضر أحدًا سواه، أما إذا
وصل الضرر إلى الناس فهنا يجب التنبيه على تلك المعصية لإزالة ما يحدث من ضرر.
* أن يكون الستر وسيلة لإصلاح حال المستور بأن يرجع عن معصيته ويتوب إلى الله -
تعالى-، أما إذا كان المستور ممن يُصِرُّ على الوقوع في المعصية، وممن يفسد في
الأرض، فهنا يجب عدم ستره حتى لا يترتب على الستر ضرر يجعل العاصي يتمادى
في المعصية.
* ألا يكون الستر وسيلة لإذلال المستور واستغلاله وتعييره بذنوبه.
* ألا يمنع الستر من أداء الشهادة إذا طلبت، {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه
آثم قلبه} [البقرة: 283].
* الستر مرهون برد المظالم، فإذا لم ترد فالساتر شريك للمستور عليه في ضياع
حق الغير.
أما فضل الستر:
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على ستر العورات؛ فقال: (لا يستر عبدٌ عبدًا في
الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم
القيامة) [ابن ماجه].
فهكذا يكون الستر في الآخرة نتيجة لما يقوم به المسلم من ستر لأخيه في الدنيا،
والثواب يكون في الدنيا أيضًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ومن ستر مسلمًا
ستره الله في الدنيا والآخرة) [الترمذي].
والستر ثوابه الجنة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرى مؤمن من
أخيه عورة فيسترها عليه، إلا أدخله الله بها الجنة) [الطبراني[