يحكى أن رجلاً فقيراً اسمه " شعبان " ، كان يعيش في قرية تجاور الجبل ، وكان الرجل يخرج كل يوم يبحث عن الملح بين صخور الجبل وفي كهوفه، وكلما وجد كمية من الملح نقلها في كيس فوق كتفه ، وباعها لأهل قريته. ورغم أنه لم يكن عند بائع الملح أولاد ينفق عليهم، فقد كان يعيش مع زوجته عيشة غاية في الضيق.
وذات يوم، عاد بائع الملح يحمل كيسه وقد امتلأ إلى حافته بالملح، ووضعه في ركن من الغرفة التي يعيش فيها، بينما أخذت الزوجة في إعداد طعامهما البسيط. ووجدت الزوجة أن علبة الملح التي في البيت فارغة، فقالت لزوجها :
" لم يعد عندنا ملح ، سأملأ علبة الملح من الكيس الذي أحضرته اليوم" . وبينما الزوجة تضع ملحاً في العلبة، شاهدت في الكيس، بين حبات الملح شيئاً يبرق ، تناولته وأسرعت إلى زوجها قائلة: " انظر هذا يا شعبان .. كأنه فص ماس كالذي أراه في خاتم رئيس القرية ! "
تطلع الزوج إلى الحجر اللامع، يعكس الأضواء الملونة في كل اتجاه، ثم قفز واقفاً وهو يقول: " اذا كانت هذه الماسة حقيقية، فإنها تكون كنزاً ثميناً رزقنا الله به، وسنصبح من الأغنياء "
في تلك اللحظة، طرق الباب طارق. وتردد شعبان، ثم أخفى الماسة المتلألئة في جيبه، وفتح الباب، فوجد امرأة عجوزاً، يبدو عليها المرض والتعب. قالت المرأة: " أعطوني مما أعطاكم الله "
وأسرع شعبان يقول: " ليس عند...." لكنه لم يكمل كلامه ، فقد أسرعت زوجته تقاطعه، وتمسك بذراعه، فتوقفت الكلمة على شفتيه. لقد تذكرت الزوجة الطيبة أن الله قد أعطاهما كنزاً منذ لحظات !! وتحير شعبان: كيف يعطي المرأة مما أعطاه الله وقطعة الماس لا تتجزأ ؟ لكن زوجته أنقذته من حيرته، وقالت للعجوز: " تفضلي يا خالة. لقد أعطانا الله خيراً ، لكننا لا نعرف كيف نعطيكي الآن منه " .
وفجأة، فردت المرأة العجوز ظهرها، وزالت كثير من تجاعيد وجهها، وابتسمت ثم قالت: " أنا التي وضعت الحجر الثمين في كيس الملح، وما دمتم قد أبديتم استعدادكما لأن يشارككما الآخرون فيما أعطاكم الله، فسيرزقكما الله بالمولود الذي تشتاقان إليه".
وقبل أن ينطق شعبان أو زوجته بكلمة، كانت المرأة الغريبة قد اختفت !
***********************************
وتحقق كلام العجوز، ورزق الله شعبان وزوجته بنتاً جميلة ذكية أسمياها " فيروز "
، وكلما كبرت زاد جمالها وذكاؤها.
كان شعبان وزوجته قد اتفقا على أنه مادام ذلك الحجر الثمين قد حقق لهما أمنيتهما بمولد فيروز، فإنه لابد أن يحتفظا به إلى أن تكبر فيروز، ويحين ميعاد زواجها .
ظل شعبان يعمل كما كان، رغم أنه كان يجد مشقة شديدة في العثور على الملح. وحدث ذات مرة أن انقضت عدة أيام بغير أن يعثر على ذرة ملح واحدة، فقالت فيروز لوالدها، وقد أصبحت فتاة باهرة الجمال: " أود أن أخرج معك للبحث عن الملح يا أبي" . قال لها والدها: " إنني أسير مسافات طويلة في الجبل، وستتعبين، وتلفحك الشمس".
فقالت له: " لن أتركك تعمل وحدك من أجلنا يا أبي... لا بد أن أذهب معك لأساعدك " . وهكذا خرجت فيروز للبحث عن الملح مع والدها. ورغم أن شعبان لم يكن قد وجد أي قدر من الملح طوال الأيام الماضية، إلا أنه في هذا اليوم الذي خرجت فيروز ، وجد شقاً كبيرًا في الجبل، مملوءًا بكميات كبيرة من الملح فملأ كيسه، وبدأ رحلة العودة إلى البيت قبل أن ينتصف النهار.
وفيما هو راجع مع ابنته، شاهد فجأة رجلاً يسير وبجواره كلب ضخم، وصاح الرجل في شعبان: " قف أيها الرجل.. أنت والبنت التي معك ! " فتوقف شعبان وفيروز، وهما لا يفهمان شيئاً.
تقدم الغريب إلى شعبان، وقد أمسك في يده سيفاً، وقال له :
" عليك أن تختار..إما أن تزوج ابنتك لي، وإما أن تزوجها لهذا الكلب!" . قال شعبان في دهشة شديدة: " وهل من المعقول أن أزوج ابنتي إلى كلب؟! " قال الرجل الغريب:
" إنه ليس كلباً ، إنه أمير وأنا تابعه! " . قال شعبان وهو يراقب السيف الموجه إليه: " وإذا وافقت على زواجها من الكلب، ثم أردت أن أراها، فأين وكيف أراها؟! " .
وما أن قال شعبان تلك الجملة، حتى وقف الكلب على رجليه الخلفيتين، وشيئاً فشيئاً تحول إلى أمير وسيم رشيق، وقال لشعبان: " أنت إذن لا تعترض على زواجي من ابنتك؟! "
قال شعبان: " لكنها ابنتي الوحيدة، وستحزن أمها كثيراً اذا ابتعدت عنها"
قال الأمير: " اذا لم أتزوج ابنتك سأصبح حيواناً مرة أخرى"
هنا تقدمت فيروز، ووقفت بين والدها والأمير الوسيم، وقالت في إشفاق: " إنه يتحدث في رقة وصدق ياأبي، وحرام أن نتركه يعود إلى الصورة التي شاهدناه عليها منذ لحظات!"
قال الأب في ابتسامة معبراًَ عن اعجابه بالأمير:
" إذن فأنتي توافقين على الزواج منه؟! " . وأحنت فيروز وجهها في خجل، فقال شعبان مبتسماً: " وأنا أيضاً أوافق!"
*****************************
ما أن قال شعبان إنه موافق، حتى انشق الجبل بجوارهم، ودخل فيه الأمير وتابعه، ومعهما شعبان وفيروز.
وبعد لحظات، وجد شعبان نفسه في مدينة كبيرة، مبنية من البلور الثمين. وفي هذه المدينة، تم الزفاف في احتفال كبير.
وبعد الزفاف، سأل شعبان زوج ابنته: " كيف أستطيع أن أرى ابنتي عندما أود زيارتها؟"
فأعطاه الأمير قطعة من جريد النخل، وقال له:" عندما تحب أن ترى ابنتك، اضرب الأرض عن يمينك بهذه الجريدة، ثم اضربها عن يسارك ضربة أخرى، عندئذ ترى ابنتك".
وما أن أمسك شعبان قطعة الجريد بين يديه، حتى وجد نفسه بجوار الجبل، في المكان الذي قابل فيه الأمير وتابعه.
*******************************
عاد شعبان إلى بيته، وما أن رأته زوجته عائداً وحده، حتى صرخت:
" أين ابنتي؟ أين تركتها؟ ابنتي حبيبتي.. ماذا حدث لها؟ "
قال شعبان: " لقد تزوجت ابنتك زوجا عظيما. واذا كنت لا تصدقين، تعالي معي لرؤيتها"
قالت له الزوجة: " هيا بنا". وأمسك شعبان قطعة الجريد، وضرب بها الأرض عن يمينه ضربة، وعن يساره ضربة، فانشقت الأرض، وظهر سلم طويل، نزل عليه شعبان وزوجته، وانتهى السلم إلى مدينة البلور.
وما أن شاهدت الأم فيروز، حتى صاحت بها: " ابنتي..حبيبتي..كيف تتزوجين دون أن أعلم؟ ". وظهرت السعادة على وجه فيروز وهي تقول: " لقد وفقني الله إلى زوج هو خير الأزواج جميعاً، وإلى حياة هي أجمل حياة. انظري يا أمي .. إن عندي كل ما كنت أحلم به: حـُلي غالية، وملابس كثيرة متنوعة، وقصر عظيم".
**********************************
وبعد بضعة أيام، ذهب الأب وحده في زيارة ثانية لفيروز، فقالت له ابنته: " ليس من العدل يا أبي أن أعيش في كل هذا النعيم، وأتمتع بالراحة والسعادة، وتعيش أنت وأمي في فقر وتعب".
قال الأب: " سأعود وأبيع الماسة الثمينة التي عثرنا عليها قبل مولدك، ونعيش من ثمنها في غنى وسعادة". قالت فيروز: " بل أذهب إلى زوجي وقل له: " زوجتك فيروز تطلب منك أن تعطيني الجحش الصغير". قال والدها: " وماذا نفعل بحمار صغير؟ " قالت فيروز: " لن تخسر شيئاً يا أبي اذا ذهبت وطلبت منه هذا الطلب".
ذهب شعبان إلى الأمير، وقال له :
" صباح الخير يا خير الأزواج. زوجتك فيروز تطلب منك أن تعطيني الجحش الصغير".
وبغير تردد، صاح الأمير: " أيها السائس.. أعطه الجحش الصغير الذي طلبته زوجتي المحبوبة فيروز".
كان الجحش صغيراً، كأنه ولد منذ لحظات. وعندما عاد شعبان إلى ابنته، قالت له: " إنه أصغر من أن تركبه، وأضعف من أن يستطيع جر عربة، لكنه يساوي وزنه ذهبا. فما عليك إلا أن تضع تحت فمه صندوقاً، ثم تأمره قائلاً: أسمعنا صوتك الجميل. ومع أن صوته لن يكون جميلاً، إلا أن قطع الذهب ستتساقط من فمه حتى تملأ الصندوق، وستكون تلك القطع الذهبية أثمن شئ شاهدته في حياتك".
*********************************
وكان أول ما فكر فيه شعبان، أن يذهب إلى صاحب فندق في قرية مجاورة، ليرد له مبلغاً كبيراً من المال ، كان قد اقترضه منه ، وأصبح يقلقه كثيراً تأخره في سداد ذلك الدين.
وما أن وصل شعبان إلى الفندق، حتى ذهب إلى صاحبه، وقال له: " سأسدد لك اليوم كل ديوني، لكن أرجو أن أجد عندك غرفة أستريح فيها".
كان شعبان يريد ان ينفرد مع جحشه في مكان لا يراه فيه أحد، لكن صاحب الفندق دهش من هذا الطلب، لأنه يعرف أن شعبان رجل فقير لا يستطيع أن يدفع أجر المبيت في غرفة، كما أنه أفقر من أن يستطيع سداد ديونه كلها مرة واحدة.
وشاهد صاحب الفندق الجحش الصغير مع شعبان، فسأله: " وهل ستأخذ هذا الحيوان معك إلى الغرفة ؟" . قال شعبان: " إنه صغير جداً وسأحتفظ به معي". وما أن أغلق شعبان باب غرفته عليه ، حتى قال صاحب الفندق لنفسه: " يجب أن أعرف سر هذه الثروة التي هبطت فجأة على شعبان" . وتسلل، وأخذ ينظر من ثقب بالباب، فشاهد شعبان يضع صندوقاً تحت فم الجحش ويقول له: " أسمعنا صوتك الجميل " .
وسرعان ما شاهد الصندوق يمتلئ بقطع الذهب التي تساقطت مع نهيق الجحش.
كاد صاحب الفندق يجن من الدهشة، لكنه تمالك نفسه، واعتزم أن يستولى على هذا الجحش.
أسرع يبحث في القرية، حتى وجد جحشاً حديث الولادة، فأخذه وعاد به إلى الفندق، وقد ترك جحشه في الغرفة، فأسرع صاحب الفندق وأخذ الجحش العجيب ، ووضع مكانه الجحش الآخر.
سدد شعبان دينه لصاحب الفندق، وعاد إلى بيته. وما أن دخل الدار، حتى نادى زوجته وقال لها: " لقد انتهى عهد الفقر يا زوجتي، انظري إلى فم هذا الجحش الصغير".
وأخذت الزوجة تتطلع إلى زوجها في دهشة واستنكار، وهو يمسح على رأس الجحش ويقول: " أسمعنا صوتك الجميل". لكن فم الجحش ظل مغلقاً، ولم تتساقط منه القطع الذهبية ! وظنت المرأة ان زوجها فقد عقله، بينما اشتدت حيرة شعبان، وأدرك أن جحشه العجيب قد سرق منه، فعاد يضرب الأرض بقطعة الجريد، ليزور ابنته فيروز.
دهشت فيروز عندما رأت علامات الهم والحزن على وجه والدها.
ولما قص عليها ما حدث، قالت له : " لا شك أن هناك من استبدل جحشاً آخر بالجحش الذي أعطاه لك الأمير. على كل حال، اذهب إلى زوجي الأمير، وقل له إنني أطلب منه أن يعطيك مطحنة القمح الصغيرة" . قال شعبان " وماذا أفعل بمطحنة قمح صغيرة ؟
إن عندنا في البيت مطحنة مناسبة، نطحن بها القمح ونحوله إلى دقيق ".
قالت له فيروز: " لن تخسر شيئاً اذا طلبت من زوجي ما أقول لك".
ذهب شعبان إلى الأمير وقال له: " يا خير الأزواج..زوجتك فيروز تطلب منك أن تعطيني مطحنة القمح الصغيرة " . وفي الحال، نادى الأمير قائلاً : " أيها الخازن، سلمه مطحنة القمح الصغيرة، التي طلبتها زوجتي المحبوبة فيروز".
وكانت المطحنة صغيرة ، إلى درجة أن شعبان استطاع أن يضعها في جيبه. وعندما عاد إلى فيروز، قالت له : " احرص جيداً على هذه المطحنة، فهي لن تعطيك دقيقاً، بل ستعطيك كل ما تتمنى من أصناف الطعام".
أخذ شعبان المطحنة، وقال لنفسه: " مادمت قد ضمنت طعامي، فيحسن أن أذهب إلى الفندق الذي استرحت فيه في المرة السابقة، لأبحث عن الجحش العجيب الذي فقدته هناك،فقد أجده " .
وفي الطريق إلى الفندق، كان كلما رغب في تناول الطعام، يجلس على جانب الطريق، ويدير المطحنة ، وسرعان ما تقدم له أشهى المأكولات، فيأكل ما يشاء.
وصل شعبان إلى الفندق، ولم يخطر بباله أن صاحب الفندق هو الذي استولى على جحشه. وأراد أن يجعل صاحب الفندق يساعده في البحث عن جحشه الغالي، فقال له : " إنني أدعوك إلى غداء شهي فاخر على مائدتي. وفي أثناء الطعام، سأحدثك في أمر مهم".
ودخل إلى الغرفة التي طلبها ليستريح فيها، وأغلق على نفسه الباب.
قال صاحب الفندق لنفسه: " لقد أخذت من شعبان جحشه العجيب، فمن أين أتي بنقود ليشتري بها طعاماً فاخرً يقدمه لي ؟ ".
لهذا أسرع يتجسس ثانية على شعبان من ثقب الباب، فرآه يدير المطحنة الصغيرة، والمطحنة تقدم أنواعاً مختلفة من الطعام.
أسرع صاحب الفندق إلى بائع الطواحين. وكم كانت فرحته عندما عثر عنده على مطحنة صغيرة، تشبه تماماً المطحنة التي رآها مع شعبان، كان البائع قد أعدها لعبة لابنه الصغير، فاشتراها منه ، وعاد إلى فندقه .
وبعد أن تغدى صاحب الفندق مع شعبان، غافل الرجل شعبان، ووضع له في كوب شرابه مسحوقاً مخدراً. وعندما استغرق شعبان في النوم أخذ صاحب الفندق المطحنة الصغيرة من جيبه ، ووضع مكانها المطحنة التي اشتراها من بائع الطواحين.
استيقظ شعبان، وسأل كثيراً عن جحشه الصغير، فلم يجد من يدله عليه. وأخيراً عاد إلى منزله، وقال لزوجته:" هيا ندعو كل أصدقائنا وجيراننا، فسأعد لهم اليوم وليمة حافلة".
وحاولت الزوجة أن تعترض، لكن زوجها أصر على تنفيذ اقتراحه، وهو واثق تماماً من قدرته على أن يقدم لأصدقائه طعاماً فاخراً، لم يأكلوا مثله في حياتهم.
وقبل موعد حضور الأصدقاء، وضع شعبان المطحنة في وسط الدار، وأخذ يديرها. وكم كانت صدمته عندما لم تقدم المطحنة أي شئ ، لا طعاماً ولا دقيقاً !!
وأدرك شعبان أن هناك من استبدل هذه المطحنة بمطحنته في أثناء نومه بالفندق.
وبدأ الأصدقاء والجيران يتوافدون على المنزل، وشعبان يحس بالخجل والحرج، لذلك أسرع يستخدم جريدة النخل، وضرب بها الأرض عن يمينه وعن يساره، ليذهب إلى ابنته فيروز.
وحكى شعبان قصته لابنته، فقالت له : " أعتقد أن صاحب الفندق يعرف مكان الجحش العجيب والمطحنة السحرية، لذلك اذهب إلى زوجي الأمير وقل له: " زوجتك فيروز ترجوك أن تعطيني العصا المطيعة" . قال شعبان:
" وبماذا تنفعني العصا التي تقولين عليها؟! " قالت فيروز:
" لن تخسر شيئاً اذا طلبت من زوجي تلك العصا"
وكما حدث في المرات السابقة، استجاب الزوج فوراً لطلب الأب، وأعطاه العصا داخل صندوق جميل، من خشب الآبنوس الأسود اللامع.
وعندما عاد شعبان إلى ابنته فيروز، فتح الصندوق وتأمل العصا، ثم قال لابنته: " هذا الصندوق يصلح لأن أضع فيه شيئاًَ أثمن من هذه العصا وأعتقد أنني لست في حاجة إلى هذه العصا، فهي لا تختلف عن غيرها ! "
قالت فيروز: " لماذا تحكم على الأشياء من ناحية الشكل يا أبي ؟! هذه عصا تطيع صاحبها، فإذا ظلمك شخص أو أصبح قاسياً عليك، فانظر إلى الصندوق وقل للعصا:
" اخرجي من فراشك" ، فإنها سرعان ما تخرج قفزاً من الصندوق، وتتجه نحو الظالم ، وتنهال عليه ضرباً. ولن تكف عن الضرب إلا اذا صحت بها قائلاً: عودي إلى نومك يا عصا. فإنها تكف عن الضرب وترجع إلى الصندوق".
شكر شعبان ابنته فيروز على هديتها المفيدة، وحمل الصندوق وانطلق فوراً إلى الفندق الذي فقد فيه الجحش والمطحنة السحرية.
ما أن وصل شعبان، حتى قال صاحب الفندق لنفسه:
" سأدعوه أنا إلى العشاء الليلة، لأعرف ماذا يحمل في هذه المرة، فقد تكون معه أداة سحرية جديدة، مثلما كان معه في المرات السابقة".
وفي أثناء العشاء، أخذ شعبان يقص على صاحب الفندق كثيراً من القصص، ثم قال له :
" هل تعرف أن هناك جحشاً ينهق ذهباً، ومطحنة تقدم الطعام عندما تديرها؟ إنني لا أعرف أين توجد هذه الأشياء الآن.. لقد سمعت عنها كثيراً..إنها أشياء مدهشة حقاً، لكنها لا تساوي قيمة ما أحمله أنا في هذا الصندوق.. إن معي في هذا الصندوق شيئاً لا يعادله شئ آخر في قيمته وفائدته".
كان شعبان يريد من حديثه أن يتأكد هل صاحب الفندق هو الذي سرق جحشه ومطحنته؟ وعندما سمع صاحب الفندق حديث شعبان، استغرق في تفكير عميق وهو يقول لنفسه: " ماذا يوجد يا ترى في هذا الصندوق؟ لابد أنه يحتوي على شئ ثمين جداً. لابد أن أحصل على هذا الصندوق بأي وسيلة" . وطلب شعبان أن يبيت ليلته في الفندق.
وعندما دخل غرفته، وضع رأسه فوق الصندوق وأغمض عينيه، حتى أصبح من يراه يعتقد أنه استغرق في نوم عميق. وبعد فترة، أتى صاحب الفندق متسللاً إلى غرفة شعبان، وتأمل وجهه قليلاً ثم قال: " لقد استغرق في نوم عميق" . ثم اقترب من الفراش، وأمسك بالصندوق ليأخذه. لكن شعبان لم يكن نائماً، بل كان ينتظر مجئ السارق ! وما أن وضع الرجل يده على الصندوق، حتى قفز شعبان صائحاً :
" اخرجي يا عصا من فراشك ".
ولكن للأسف الشديد لم تخرج العصا من فراشها
وذات يوم، عاد بائع الملح يحمل كيسه وقد امتلأ إلى حافته بالملح، ووضعه في ركن من الغرفة التي يعيش فيها، بينما أخذت الزوجة في إعداد طعامهما البسيط. ووجدت الزوجة أن علبة الملح التي في البيت فارغة، فقالت لزوجها :
" لم يعد عندنا ملح ، سأملأ علبة الملح من الكيس الذي أحضرته اليوم" . وبينما الزوجة تضع ملحاً في العلبة، شاهدت في الكيس، بين حبات الملح شيئاً يبرق ، تناولته وأسرعت إلى زوجها قائلة: " انظر هذا يا شعبان .. كأنه فص ماس كالذي أراه في خاتم رئيس القرية ! "
تطلع الزوج إلى الحجر اللامع، يعكس الأضواء الملونة في كل اتجاه، ثم قفز واقفاً وهو يقول: " اذا كانت هذه الماسة حقيقية، فإنها تكون كنزاً ثميناً رزقنا الله به، وسنصبح من الأغنياء "
في تلك اللحظة، طرق الباب طارق. وتردد شعبان، ثم أخفى الماسة المتلألئة في جيبه، وفتح الباب، فوجد امرأة عجوزاً، يبدو عليها المرض والتعب. قالت المرأة: " أعطوني مما أعطاكم الله "
وأسرع شعبان يقول: " ليس عند...." لكنه لم يكمل كلامه ، فقد أسرعت زوجته تقاطعه، وتمسك بذراعه، فتوقفت الكلمة على شفتيه. لقد تذكرت الزوجة الطيبة أن الله قد أعطاهما كنزاً منذ لحظات !! وتحير شعبان: كيف يعطي المرأة مما أعطاه الله وقطعة الماس لا تتجزأ ؟ لكن زوجته أنقذته من حيرته، وقالت للعجوز: " تفضلي يا خالة. لقد أعطانا الله خيراً ، لكننا لا نعرف كيف نعطيكي الآن منه " .
وفجأة، فردت المرأة العجوز ظهرها، وزالت كثير من تجاعيد وجهها، وابتسمت ثم قالت: " أنا التي وضعت الحجر الثمين في كيس الملح، وما دمتم قد أبديتم استعدادكما لأن يشارككما الآخرون فيما أعطاكم الله، فسيرزقكما الله بالمولود الذي تشتاقان إليه".
وقبل أن ينطق شعبان أو زوجته بكلمة، كانت المرأة الغريبة قد اختفت !
***********************************
وتحقق كلام العجوز، ورزق الله شعبان وزوجته بنتاً جميلة ذكية أسمياها " فيروز "
، وكلما كبرت زاد جمالها وذكاؤها.
كان شعبان وزوجته قد اتفقا على أنه مادام ذلك الحجر الثمين قد حقق لهما أمنيتهما بمولد فيروز، فإنه لابد أن يحتفظا به إلى أن تكبر فيروز، ويحين ميعاد زواجها .
ظل شعبان يعمل كما كان، رغم أنه كان يجد مشقة شديدة في العثور على الملح. وحدث ذات مرة أن انقضت عدة أيام بغير أن يعثر على ذرة ملح واحدة، فقالت فيروز لوالدها، وقد أصبحت فتاة باهرة الجمال: " أود أن أخرج معك للبحث عن الملح يا أبي" . قال لها والدها: " إنني أسير مسافات طويلة في الجبل، وستتعبين، وتلفحك الشمس".
فقالت له: " لن أتركك تعمل وحدك من أجلنا يا أبي... لا بد أن أذهب معك لأساعدك " . وهكذا خرجت فيروز للبحث عن الملح مع والدها. ورغم أن شعبان لم يكن قد وجد أي قدر من الملح طوال الأيام الماضية، إلا أنه في هذا اليوم الذي خرجت فيروز ، وجد شقاً كبيرًا في الجبل، مملوءًا بكميات كبيرة من الملح فملأ كيسه، وبدأ رحلة العودة إلى البيت قبل أن ينتصف النهار.
وفيما هو راجع مع ابنته، شاهد فجأة رجلاً يسير وبجواره كلب ضخم، وصاح الرجل في شعبان: " قف أيها الرجل.. أنت والبنت التي معك ! " فتوقف شعبان وفيروز، وهما لا يفهمان شيئاً.
تقدم الغريب إلى شعبان، وقد أمسك في يده سيفاً، وقال له :
" عليك أن تختار..إما أن تزوج ابنتك لي، وإما أن تزوجها لهذا الكلب!" . قال شعبان في دهشة شديدة: " وهل من المعقول أن أزوج ابنتي إلى كلب؟! " قال الرجل الغريب:
" إنه ليس كلباً ، إنه أمير وأنا تابعه! " . قال شعبان وهو يراقب السيف الموجه إليه: " وإذا وافقت على زواجها من الكلب، ثم أردت أن أراها، فأين وكيف أراها؟! " .
وما أن قال شعبان تلك الجملة، حتى وقف الكلب على رجليه الخلفيتين، وشيئاً فشيئاً تحول إلى أمير وسيم رشيق، وقال لشعبان: " أنت إذن لا تعترض على زواجي من ابنتك؟! "
قال شعبان: " لكنها ابنتي الوحيدة، وستحزن أمها كثيراً اذا ابتعدت عنها"
قال الأمير: " اذا لم أتزوج ابنتك سأصبح حيواناً مرة أخرى"
هنا تقدمت فيروز، ووقفت بين والدها والأمير الوسيم، وقالت في إشفاق: " إنه يتحدث في رقة وصدق ياأبي، وحرام أن نتركه يعود إلى الصورة التي شاهدناه عليها منذ لحظات!"
قال الأب في ابتسامة معبراًَ عن اعجابه بالأمير:
" إذن فأنتي توافقين على الزواج منه؟! " . وأحنت فيروز وجهها في خجل، فقال شعبان مبتسماً: " وأنا أيضاً أوافق!"
*****************************
ما أن قال شعبان إنه موافق، حتى انشق الجبل بجوارهم، ودخل فيه الأمير وتابعه، ومعهما شعبان وفيروز.
وبعد لحظات، وجد شعبان نفسه في مدينة كبيرة، مبنية من البلور الثمين. وفي هذه المدينة، تم الزفاف في احتفال كبير.
وبعد الزفاف، سأل شعبان زوج ابنته: " كيف أستطيع أن أرى ابنتي عندما أود زيارتها؟"
فأعطاه الأمير قطعة من جريد النخل، وقال له:" عندما تحب أن ترى ابنتك، اضرب الأرض عن يمينك بهذه الجريدة، ثم اضربها عن يسارك ضربة أخرى، عندئذ ترى ابنتك".
وما أن أمسك شعبان قطعة الجريد بين يديه، حتى وجد نفسه بجوار الجبل، في المكان الذي قابل فيه الأمير وتابعه.
*******************************
عاد شعبان إلى بيته، وما أن رأته زوجته عائداً وحده، حتى صرخت:
" أين ابنتي؟ أين تركتها؟ ابنتي حبيبتي.. ماذا حدث لها؟ "
قال شعبان: " لقد تزوجت ابنتك زوجا عظيما. واذا كنت لا تصدقين، تعالي معي لرؤيتها"
قالت له الزوجة: " هيا بنا". وأمسك شعبان قطعة الجريد، وضرب بها الأرض عن يمينه ضربة، وعن يساره ضربة، فانشقت الأرض، وظهر سلم طويل، نزل عليه شعبان وزوجته، وانتهى السلم إلى مدينة البلور.
وما أن شاهدت الأم فيروز، حتى صاحت بها: " ابنتي..حبيبتي..كيف تتزوجين دون أن أعلم؟ ". وظهرت السعادة على وجه فيروز وهي تقول: " لقد وفقني الله إلى زوج هو خير الأزواج جميعاً، وإلى حياة هي أجمل حياة. انظري يا أمي .. إن عندي كل ما كنت أحلم به: حـُلي غالية، وملابس كثيرة متنوعة، وقصر عظيم".
**********************************
وبعد بضعة أيام، ذهب الأب وحده في زيارة ثانية لفيروز، فقالت له ابنته: " ليس من العدل يا أبي أن أعيش في كل هذا النعيم، وأتمتع بالراحة والسعادة، وتعيش أنت وأمي في فقر وتعب".
قال الأب: " سأعود وأبيع الماسة الثمينة التي عثرنا عليها قبل مولدك، ونعيش من ثمنها في غنى وسعادة". قالت فيروز: " بل أذهب إلى زوجي وقل له: " زوجتك فيروز تطلب منك أن تعطيني الجحش الصغير". قال والدها: " وماذا نفعل بحمار صغير؟ " قالت فيروز: " لن تخسر شيئاً يا أبي اذا ذهبت وطلبت منه هذا الطلب".
ذهب شعبان إلى الأمير، وقال له :
" صباح الخير يا خير الأزواج. زوجتك فيروز تطلب منك أن تعطيني الجحش الصغير".
وبغير تردد، صاح الأمير: " أيها السائس.. أعطه الجحش الصغير الذي طلبته زوجتي المحبوبة فيروز".
كان الجحش صغيراً، كأنه ولد منذ لحظات. وعندما عاد شعبان إلى ابنته، قالت له: " إنه أصغر من أن تركبه، وأضعف من أن يستطيع جر عربة، لكنه يساوي وزنه ذهبا. فما عليك إلا أن تضع تحت فمه صندوقاً، ثم تأمره قائلاً: أسمعنا صوتك الجميل. ومع أن صوته لن يكون جميلاً، إلا أن قطع الذهب ستتساقط من فمه حتى تملأ الصندوق، وستكون تلك القطع الذهبية أثمن شئ شاهدته في حياتك".
*********************************
وكان أول ما فكر فيه شعبان، أن يذهب إلى صاحب فندق في قرية مجاورة، ليرد له مبلغاً كبيراً من المال ، كان قد اقترضه منه ، وأصبح يقلقه كثيراً تأخره في سداد ذلك الدين.
وما أن وصل شعبان إلى الفندق، حتى ذهب إلى صاحبه، وقال له: " سأسدد لك اليوم كل ديوني، لكن أرجو أن أجد عندك غرفة أستريح فيها".
كان شعبان يريد ان ينفرد مع جحشه في مكان لا يراه فيه أحد، لكن صاحب الفندق دهش من هذا الطلب، لأنه يعرف أن شعبان رجل فقير لا يستطيع أن يدفع أجر المبيت في غرفة، كما أنه أفقر من أن يستطيع سداد ديونه كلها مرة واحدة.
وشاهد صاحب الفندق الجحش الصغير مع شعبان، فسأله: " وهل ستأخذ هذا الحيوان معك إلى الغرفة ؟" . قال شعبان: " إنه صغير جداً وسأحتفظ به معي". وما أن أغلق شعبان باب غرفته عليه ، حتى قال صاحب الفندق لنفسه: " يجب أن أعرف سر هذه الثروة التي هبطت فجأة على شعبان" . وتسلل، وأخذ ينظر من ثقب بالباب، فشاهد شعبان يضع صندوقاً تحت فم الجحش ويقول له: " أسمعنا صوتك الجميل " .
وسرعان ما شاهد الصندوق يمتلئ بقطع الذهب التي تساقطت مع نهيق الجحش.
كاد صاحب الفندق يجن من الدهشة، لكنه تمالك نفسه، واعتزم أن يستولى على هذا الجحش.
أسرع يبحث في القرية، حتى وجد جحشاً حديث الولادة، فأخذه وعاد به إلى الفندق، وقد ترك جحشه في الغرفة، فأسرع صاحب الفندق وأخذ الجحش العجيب ، ووضع مكانه الجحش الآخر.
سدد شعبان دينه لصاحب الفندق، وعاد إلى بيته. وما أن دخل الدار، حتى نادى زوجته وقال لها: " لقد انتهى عهد الفقر يا زوجتي، انظري إلى فم هذا الجحش الصغير".
وأخذت الزوجة تتطلع إلى زوجها في دهشة واستنكار، وهو يمسح على رأس الجحش ويقول: " أسمعنا صوتك الجميل". لكن فم الجحش ظل مغلقاً، ولم تتساقط منه القطع الذهبية ! وظنت المرأة ان زوجها فقد عقله، بينما اشتدت حيرة شعبان، وأدرك أن جحشه العجيب قد سرق منه، فعاد يضرب الأرض بقطعة الجريد، ليزور ابنته فيروز.
دهشت فيروز عندما رأت علامات الهم والحزن على وجه والدها.
ولما قص عليها ما حدث، قالت له : " لا شك أن هناك من استبدل جحشاً آخر بالجحش الذي أعطاه لك الأمير. على كل حال، اذهب إلى زوجي الأمير، وقل له إنني أطلب منه أن يعطيك مطحنة القمح الصغيرة" . قال شعبان " وماذا أفعل بمطحنة قمح صغيرة ؟
إن عندنا في البيت مطحنة مناسبة، نطحن بها القمح ونحوله إلى دقيق ".
قالت له فيروز: " لن تخسر شيئاً اذا طلبت من زوجي ما أقول لك".
ذهب شعبان إلى الأمير وقال له: " يا خير الأزواج..زوجتك فيروز تطلب منك أن تعطيني مطحنة القمح الصغيرة " . وفي الحال، نادى الأمير قائلاً : " أيها الخازن، سلمه مطحنة القمح الصغيرة، التي طلبتها زوجتي المحبوبة فيروز".
وكانت المطحنة صغيرة ، إلى درجة أن شعبان استطاع أن يضعها في جيبه. وعندما عاد إلى فيروز، قالت له : " احرص جيداً على هذه المطحنة، فهي لن تعطيك دقيقاً، بل ستعطيك كل ما تتمنى من أصناف الطعام".
أخذ شعبان المطحنة، وقال لنفسه: " مادمت قد ضمنت طعامي، فيحسن أن أذهب إلى الفندق الذي استرحت فيه في المرة السابقة، لأبحث عن الجحش العجيب الذي فقدته هناك،فقد أجده " .
وفي الطريق إلى الفندق، كان كلما رغب في تناول الطعام، يجلس على جانب الطريق، ويدير المطحنة ، وسرعان ما تقدم له أشهى المأكولات، فيأكل ما يشاء.
وصل شعبان إلى الفندق، ولم يخطر بباله أن صاحب الفندق هو الذي استولى على جحشه. وأراد أن يجعل صاحب الفندق يساعده في البحث عن جحشه الغالي، فقال له : " إنني أدعوك إلى غداء شهي فاخر على مائدتي. وفي أثناء الطعام، سأحدثك في أمر مهم".
ودخل إلى الغرفة التي طلبها ليستريح فيها، وأغلق على نفسه الباب.
قال صاحب الفندق لنفسه: " لقد أخذت من شعبان جحشه العجيب، فمن أين أتي بنقود ليشتري بها طعاماً فاخرً يقدمه لي ؟ ".
لهذا أسرع يتجسس ثانية على شعبان من ثقب الباب، فرآه يدير المطحنة الصغيرة، والمطحنة تقدم أنواعاً مختلفة من الطعام.
أسرع صاحب الفندق إلى بائع الطواحين. وكم كانت فرحته عندما عثر عنده على مطحنة صغيرة، تشبه تماماً المطحنة التي رآها مع شعبان، كان البائع قد أعدها لعبة لابنه الصغير، فاشتراها منه ، وعاد إلى فندقه .
وبعد أن تغدى صاحب الفندق مع شعبان، غافل الرجل شعبان، ووضع له في كوب شرابه مسحوقاً مخدراً. وعندما استغرق شعبان في النوم أخذ صاحب الفندق المطحنة الصغيرة من جيبه ، ووضع مكانها المطحنة التي اشتراها من بائع الطواحين.
استيقظ شعبان، وسأل كثيراً عن جحشه الصغير، فلم يجد من يدله عليه. وأخيراً عاد إلى منزله، وقال لزوجته:" هيا ندعو كل أصدقائنا وجيراننا، فسأعد لهم اليوم وليمة حافلة".
وحاولت الزوجة أن تعترض، لكن زوجها أصر على تنفيذ اقتراحه، وهو واثق تماماً من قدرته على أن يقدم لأصدقائه طعاماً فاخراً، لم يأكلوا مثله في حياتهم.
وقبل موعد حضور الأصدقاء، وضع شعبان المطحنة في وسط الدار، وأخذ يديرها. وكم كانت صدمته عندما لم تقدم المطحنة أي شئ ، لا طعاماً ولا دقيقاً !!
وأدرك شعبان أن هناك من استبدل هذه المطحنة بمطحنته في أثناء نومه بالفندق.
وبدأ الأصدقاء والجيران يتوافدون على المنزل، وشعبان يحس بالخجل والحرج، لذلك أسرع يستخدم جريدة النخل، وضرب بها الأرض عن يمينه وعن يساره، ليذهب إلى ابنته فيروز.
وحكى شعبان قصته لابنته، فقالت له : " أعتقد أن صاحب الفندق يعرف مكان الجحش العجيب والمطحنة السحرية، لذلك اذهب إلى زوجي الأمير وقل له: " زوجتك فيروز ترجوك أن تعطيني العصا المطيعة" . قال شعبان:
" وبماذا تنفعني العصا التي تقولين عليها؟! " قالت فيروز:
" لن تخسر شيئاً اذا طلبت من زوجي تلك العصا"
وكما حدث في المرات السابقة، استجاب الزوج فوراً لطلب الأب، وأعطاه العصا داخل صندوق جميل، من خشب الآبنوس الأسود اللامع.
وعندما عاد شعبان إلى ابنته فيروز، فتح الصندوق وتأمل العصا، ثم قال لابنته: " هذا الصندوق يصلح لأن أضع فيه شيئاًَ أثمن من هذه العصا وأعتقد أنني لست في حاجة إلى هذه العصا، فهي لا تختلف عن غيرها ! "
قالت فيروز: " لماذا تحكم على الأشياء من ناحية الشكل يا أبي ؟! هذه عصا تطيع صاحبها، فإذا ظلمك شخص أو أصبح قاسياً عليك، فانظر إلى الصندوق وقل للعصا:
" اخرجي من فراشك" ، فإنها سرعان ما تخرج قفزاً من الصندوق، وتتجه نحو الظالم ، وتنهال عليه ضرباً. ولن تكف عن الضرب إلا اذا صحت بها قائلاً: عودي إلى نومك يا عصا. فإنها تكف عن الضرب وترجع إلى الصندوق".
شكر شعبان ابنته فيروز على هديتها المفيدة، وحمل الصندوق وانطلق فوراً إلى الفندق الذي فقد فيه الجحش والمطحنة السحرية.
ما أن وصل شعبان، حتى قال صاحب الفندق لنفسه:
" سأدعوه أنا إلى العشاء الليلة، لأعرف ماذا يحمل في هذه المرة، فقد تكون معه أداة سحرية جديدة، مثلما كان معه في المرات السابقة".
وفي أثناء العشاء، أخذ شعبان يقص على صاحب الفندق كثيراً من القصص، ثم قال له :
" هل تعرف أن هناك جحشاً ينهق ذهباً، ومطحنة تقدم الطعام عندما تديرها؟ إنني لا أعرف أين توجد هذه الأشياء الآن.. لقد سمعت عنها كثيراً..إنها أشياء مدهشة حقاً، لكنها لا تساوي قيمة ما أحمله أنا في هذا الصندوق.. إن معي في هذا الصندوق شيئاً لا يعادله شئ آخر في قيمته وفائدته".
كان شعبان يريد من حديثه أن يتأكد هل صاحب الفندق هو الذي سرق جحشه ومطحنته؟ وعندما سمع صاحب الفندق حديث شعبان، استغرق في تفكير عميق وهو يقول لنفسه: " ماذا يوجد يا ترى في هذا الصندوق؟ لابد أنه يحتوي على شئ ثمين جداً. لابد أن أحصل على هذا الصندوق بأي وسيلة" . وطلب شعبان أن يبيت ليلته في الفندق.
وعندما دخل غرفته، وضع رأسه فوق الصندوق وأغمض عينيه، حتى أصبح من يراه يعتقد أنه استغرق في نوم عميق. وبعد فترة، أتى صاحب الفندق متسللاً إلى غرفة شعبان، وتأمل وجهه قليلاً ثم قال: " لقد استغرق في نوم عميق" . ثم اقترب من الفراش، وأمسك بالصندوق ليأخذه. لكن شعبان لم يكن نائماً، بل كان ينتظر مجئ السارق ! وما أن وضع الرجل يده على الصندوق، حتى قفز شعبان صائحاً :
" اخرجي يا عصا من فراشك ".
ولكن للأسف الشديد لم تخرج العصا من فراشها