في خضم الأحداث المتسارعة لعالم اليوم، و في ظل الصراع بين الأمم على كل الأصعدة، يعلن
كل طرف من أطراف لعبة الأمم حرب استنزاف لفرض سيطرته على أكبر مساحة جغرافية و
بشرية على المعمورة، و من أصعدة النزاع الصعيد الثقافي و اللغوي باعتبار أن الثقافة و اللغة
يمثلان إسم و لقب الأمة في بطاقة هويتها،
و في وقت تسعى فيه الأمم إلى النهوض بلغاتها و ثقافاتها، تقوم بعض الأيدي الخفية بتحريك
خيوط مؤامرة على لغتنا العربية الهدف منها سلبنا الهوية، و ذلك من خلال برنامج منظم يسعى
على المدى الطويل إلى ابتداع لهجات شعبية عشوائية يسمونها فيما بعد اللغة العربية، و المقلق
في الأمر أن هذا المخطط صار يسير بخطوات متسارعة في السنوات الأخيرة، و المعضلة الكبرى
أنه مدعوم بوسائلنا الإعلامية العربية، أي بأموال الشعب العربي دون أن يحس بذلك، و بصراحة
و دون تحفظ، مع كل احترامي للشعب المصري العريق، إن السلاح الذي تحركه الأيدي الخفية
لتظليل اللغة العربية في دهاليز العشوائية، هو الإعلام المصري، الذي يعتبر الإعلام العربي
المرجعي للأمة العربية من خلال حجم إنتاجه و نوعيته التقنية، لكن هذا الإعلام تنازل عن رسالته
النبيلة في السنوات الأخيرة من خلال تنازله عن اللغة العربية الأصيلة في أبسط الأمور، في منطق
الحروف، فهو يستخدم في الكثير من أعماله التاريخية مثلا النطق الشعبي للحروف مقثل حرفي
الجيم و القاف، و أعتقد أنه من العيب أن يقوم الإعلام المصري بهذه الخطايا في حق اللغة العربية
عند إنتاجه لمسلسل عظيم كمسلسل أبو حنيفة النعمان من بطولة العملاق محمود يس، أن يقوم
نفس الإعلام بدبلجة سلسلة كرتون باللهجة المصرية الشعبية، و كان من الأولى أن تؤدي سلسلة
الكارتون هذه عدة رسائل من بينها تنمية المهارات اللغوية للطفل، و لا أعتقد أن الإعلام المصري
الذي أنتج رائعة الرسالة و غيرها من الروائع الدرامية يعجز عن الحفاظ على أسس اللغة و الهوية
العربية، إلا إذا كان يريد الإنسلاخ منها، فلماذا لا تقوم الجهات الإعلامية المصرية بتمويل العمل
الدرامي و تترك الإنجاز للمحترفين في سوريا أو لبنان أو الأردن مثلا؟ أعتقد أنه لا عيب في ذلك،
فالتلفزيون الجزائري مثلا عندما أراد تمجيد شخص عظيمة الثورة "لالة فاطمة نسومر" بعمل
درامي محترف من خلال مسلسل عذراء الجبل، أوكل مهمة الإنجاز للإعلام السوري الذي يثبت
قدراته على الإبداع مع الحفاظ على اللغة العربية الأصيلة عام بعد عام، و التلفزيون الجزائري
رغم امتلاكه لإمكانات مادية هائلة و قدرات بشرية لا يستهان بها فضل التعاون لأن الهدف كان
إنجاز عمل جيد، و ليس مجرد إنجاز عمل و السلام.
إن الشعب المصري و العديد من الشعوب العربية قد فقدت بعض حروف اللغة العربية مثل القاف
و الجيم و الظاء و الذال، و إن استمرت بهذا النهج ستفقد كل اللغة مع مرور السنين، و المسؤولية
كل المسؤولية في تنقية اللغة العربية من سموم التظليل اللغوي يتحملها التعليم بالدرجة الأولى، ثم
الإعلام الذي يجب أن يواصل رسالة التنشئة و التعليم في صون لغة أهل الجنة، لغة الضاد.
كتب : رياض مصطفاوي