لقد كنا فى الصباح الباكر ، لم أكن لأعرفه لولا أن سمعت صوتها فى المنزل . لقد اعتادت على الاستيقاظ مبكرا ً طيلة الخمسة عشر عاما التى أمضتها معنا . فلقد حضرت الينا منذ بداية زواجى ، و لقد كانت فى العاشرة من عمرها . أحضرها أبوها للعمل عندنا فى المنزل لعل أجرها الضئيل الذى تتقاضاه يساعده فى توفير احتياجات أبناءه الستة . قدمت اينا من بلدهم طفلة صغيرة لا تفقه شئ . كانت مطيعة الى أقصى مدى فلم تعصى لنا أمرا أبدا. و لكنها النهاية ؛ ليس لها مكان معنا منذ اليوم . فاليوم آخر عهدها بمنزلنا . لم أجد ما أقدمه لها أجرا و تكريما لهذه السنوات التى قضتها معنا كفرد من أفراد أسرتنا الصغيرة. و لكنها الآن سترحل لقد بلغت الخامسة و العشرون و جاء وقت زواجها . لقد كان العريس رجلا من أثرياء الخليج . رجل من خمسينيات القرن الماضى . و لم لا تتزوجه؟ فهو الحلم لها و لأهلها للخروج من دوامة الفقر و الوصل الى شاطئ الثراء .
جاء وقت الغروب أهل بيتى الآن فى النادى . أنا و هى الآن فى المنزل بمفردنا لطالما أذهلتنى بجمالها طيلة هذه السنين فها هى تنمو و تكبر أمامى طيلة هذه السنين كنبتة صغيرة أرويها طيلة هذه السنين الى أن نضجت الآن و أصبحت مبتغى الكثير من الرجال فى المنطقة ؛ فأنا لا أنسى المكوجى كم طلبها للزواج و البقال و أخيرا هذا الرجل الكهل الذى ظفر بها . و لكننى تذكرت أيضا كم رفضت هؤلاء كلهم و أصرت على البقاء معى فى المنزل . هل تحبنى و تحب منزلى الى هذه الدرجة التى لم ألاحظها من قبل . لا بد و الا ما رفضت هؤلاء جميعا و أصرت على البقاء. و لم ترضخ لهذا الرجل العربى الا بعد اصرار و ضغط شديدين من أهلها . هل تحبنى كل هذا الحب . فى تلك الآونة قررت أن اتجه الى المطبخ حيث كانت هى . قامت من مجلسها مسرعة حين رأتنى كما هى سجيتها فى التعامل معى . دنوت منها . أمسكت بيدها الرقيقة و التى لم يؤثر عناء السنين و لا شغل المنزل طيلة هذا الدهر على ملمسها . رفعت يدها الى شفتاى و أخذت أقبلها ثم قلت لها : شكرا على خدمتنا و حبك و اخلاصك لنا طيلة هذه السنين . فابتسمت و لم ترد . حينها راودنى احساس يؤكد شكوكى حول حبها لى فدنوت منها أكثر و وضعت قبلة حانية على جبينها مرة أخرى ثم قلت لها : فراقك سيكون صعبا جدا يا صغيرتى . و فى هذه الأثناء دق جرس الباب لقد كان الأولاد عائدون من النادى . و ماهى الا دقائق معدودات و اذا بجرس الباب يدق من جديد ، أنه أبوها أتى ليأخذها الى بلدهم . خرجت من المطبخ بعد أن سمعت صوت أبيها حاملة أغراضها و متأهبة للرحيل . دنت منى و هى تبكى فضممتها الى من جديد أمام أبيها و أخذت أقبلها مرة ثانية . فما كان منها الا أن انتزعت يدى من مكانها و أخت تقبلها قائلة بصوت خافت : لن أنساكم يا سيدتى فكم كنتم تعاملوننى كابنتكم الثالثة . ثم قبلت ابنتاى و سلمت على زوجى و مضت مع أبيها و لم تعد الينا الى الآن . و منذ ذلك الوقت ومازلنا نتذكرها فى كل وقت و فى كل مكان . لقد كانت حقا ابنتى الثالثة التى لم أنجبها أنا و زوجى
بقلم .