أعرضها لشخص الرئيس جمال عبد الناصر في ذكرى ثورة يوليو السابعة والخمسين .
تولى جمال عبد الناصر رئاسة الجمهورية في سن صغيرة - نسبة إلى حساسية هذا
المنصب - فلم يكن عمره قد تجاوز الثامنة والثلاثين وامتدت فترة الحكم حتى
عام 1970 . وعن قرائتي لصفحات التاريخ التي دونت هذه الحقبة بنيت رأيي في
شخص عبد الناصر .
وما أود أن أطرحه في البداية -ولا يختلف عليه
أحدآ- هو أن عبد الناصر كان محبا لمصر بكل ما تحمله كلمة حب من معاني ،
وكان ذلك بمثابة الوقود الذي أشعل روح الوطنية داخله ودفعه للقيام بإنقلاب
من أجل رفعة هذا الوطن .
ولكن حبه للقيادة أو ما يسمونه "جنون
الزعامة" كان الغالب على شخصيته ، والسبب الأساسي لذلك هو مكانته كضابط من
الضباط الأحرار فموقعه القيادي رسخ في نفسه مبادئ عشق الزعامة وقد ظهر ذلك
واضحا في تشكيل الوزارات وتوزيع المناصب القيادية في عهده ، فكان للضباط
الأحرار نصيب الأسد فيها ، وذلك ليبقي على زعامته وسط حاشيته داخل البلاد
، وتأتّى ذلك على حساب المعنيين أو المختصين من أصحاب الحق و الدراية في
إدارة هذه الشئون . وما كان له بالغ الأثر هو حب الشعب - الذي أصبح متيما
بعبد الناصر - وتأييده التام لفكره وأسلوبه وتأصل لدى الشعب شعور بأن عبد
الناصر هو الفارس أو المنقذ الذي انتشلهم من عالم الظلمة إلى النور .
كما ظهر حب الزعامة في تكوينه لجبهة ثالثة في العالم وهي دول عدم الإنحياز
وقيادة مصر الواضحة لتلك الجبهة التي ترفض ترجيح كفة أي من الكتلتين
الشرقية المتمثلة في الإتحاد السوفيتي ونظيرتها الغربية المتمثلة في
الولايات المتحدة وأوروبا آنذاك .
وتجلى ذلك أيضا في معاونته للدول
العربية الشقيقة مثل اليمن والجزائر للحصول على استقلالها سواء بالمساعدات
العسكرية أو المادية ، كما عاون الكثير من دول أفريقيا على نيل استقلالها
وايد موقفها من الإستعمار الأوروبى تأيدا تاما فى المحافل الدولية.
إلا أن هذا الحب -حب الزعامة- قد أفقده الكثير ، وأهم ما أفقده
إياه كرئيس دولة هو الذكاء السياسي في إدارة شئون البلاد ، وأعتقد -حسب
رأيي- أنها الصفة الأولى التي يشترط أن تتواجد في الحاكم ، بل وأنها تفوق
أيضا سمات الوطنية والشجاعة . لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل أفقده
التحكم في زمام الأمور وقوة الشخصية التي عرفت عنه في بداية عهده فأصبح
منصاعا في كثير من قراراته -وخاصة الداخلية منها- خلف حاشيته التي وثق بهم
تمام الثقة فصار لهم مطلق العنان وعاثوا في البلاد فسادا فلم تكن الثقة في
موضعها وبدا الوضع كالخيل التي تسوق قائد العربة وليس العكس .
واستمر الأمر ، إلا أن الصفعة كانت قوية والألم كان موجعا في نكسة 67 نتيجة إهمال
مَن حول عبد الناصر مِن القائمين على الأمر وانشغاله عنهم فما كان مجديا
حب مصر أو حب الزعامة !
احمد صلاح