مما زاد من هذا الشعور سائق التاكسى الذى كنت جالسا الى جواره،فقد ظهرت عليه ملامح الورع و التقوي،اذكر تلك اللحيه شديدة السواد التى غطت عنقه و ربما وصلت الى صدره،و خطر على بالى قول الله تعالى"سيماهم فى وجوههم"عندما اختلست عينى نظره من جبهته العريضة،وكان صوت الشيخ محمد جبريل يسرى فى اذناى فينعشها و تلاوته العطره التى تخرج من مكبرات الصوت فى السيارة امرا يبعث بالطمانينة و الارتياح فى نفسى المتفائلة الا ان هذا الشعور لم يدم طويلا بعد تصرف احمق للسائق .
ففى وسط هذا السيل الجارف من المشاعر إذا به أثناء توهج إشارة المرور بلونها الاحمر ،يضرب بالقانون عرض الحائط، ويكسر الاشارة ويمر دون انتباه إلى السيارات الماره فى الإتجاه المعاكس و عرض نفسه و سيارته كذلك و عرضنى ايضا للخطر،فقررت أن أقطع هذا الصمت الجميل بسؤال كان لابد و أن أطرحه على الرغم من أنه يعتبر نوع من أنواع التدخل فيما لا يعنينى.
وكان سؤالى:انت ليه كسرت الاشاره ؟
وتوقعت أن يكون الرد :وانت مالك!!!!...........او ما إلى ذلك من ردود
إلا ان الحوار دار كالاّتى:
السائق:سؤال غريب(ثم صمت قليلا باحثا عن رد) وقال: كده علشان الحق اوصلك.
أنا :شكرا ،بس هل انت شايف ده سبب كافى؟
السائق:لأ.بس ...................بص يابنى هى البلد ماشيه كده
أنا :طيب حتى إذا كان كله بيعمل كده انت شايف ان ده صح ؟
السائق:لأ،بس يعنى إشمعنى أنا اللى هبقى صح؟!
أنا :طيب ،أنا هسئلك سؤال كمان هل قانون الإشاره فى مصلحتك ولا ضدها؟
السائق:فى مصلحتى بس كتير بيأخرنى
أنا :أيوه بس لما نتأخر دقيقة ولا نص دقيقة أحسن من أما يبقى فى خطر عليك و على عربيتك.
السائق:ربك بيستر و كرمه علينا كبير.... كبير أوى
أنا :معتقدش ربنا هيكرمك و أنت على الحال ده.
السائق :(ممتعضا)لا إله إلا الله محمدا رسول الله.
أنا :أهه سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام لو كان راكب جنبيك دلوقتى تفتكر انه كان هيبقى راضى او مبسوط لو شافك و انت بتكسر القانون او حد من او أى حد من الصالحين كان سايق مكانك تفتكر انه كان هيعمل زيك!.
ولم ينبث السائق بكلمه واحده ثم وجدته يقول"مش حضرتك نازل هنا؟"فتركت التاكسى مسرعا،حامدا الله على حسن عواقب المناقشة ،مشفقا على الرجل الذى ربما احس بأن الحياه لها شق اّخر مظلم لم يتطرق إليه و لم يفكر فيه.
ليس هذا حال سائق حيال إشارة مرور فحسب بل حال الكثير من أبناء هذه الأمه الذين وجدوا الطريق الصحيح إلا أن جزءا منه -ربما الأكثر طولا-مازال مظلما بالنسبة لهم فلم ينتبهواإليه و لعلهم يفعلون.
عدل سابقا من قبل Ahmodzo في الجمعة 17 يوليو - 15:15:33 عدل 1 مرات