كبرا سوياً وكانا صديقين كما ينبغي، أصبح الأول ملكاً والثاني مجرد صديق ومستشار للملك، كان الملك يكره في صديقه كلمة يرددها بمناسبة ودون مناسبة (بالعكس)، كان يبدأ بها ردوده علي الملك دائماً، وما كان يثير غيظ الملك أن الصديق كان يمتلك دوماً وجهة نظر بالعكس لكنها صحيحة. تحمله الملك كثيراً وكان ينتظر بفارغ الصبر يوماً يقول له فيه صديقه بالعكس ويفشل في إثبات وجهة نظره، حاول كثيراً أن يوقعه في هذا الفخ لكن دون جدوي. كانا الملك وصديقه يزوران الغابة سوياً كل أسبوع لممارسة الصيد، وكان الصديق مكلفاً دوماً بإعداد البنادق التي سيستخدمانها في هذه المهمة، في إحدي المرات أخطأ الصديق في إعادة تركيب البندقية بعد فك أجزائها وتنظيفها، ثم أعطي الملك البندقية وذهبا إلي الغابة. لمح الصديق من بعيد غزالة تجري فلفت نظر الملك إليها، اتخذ الملك وضع التصويب وأحكم النشان ثم أطلق رصاصته فكان أن انفجرت الرصاصة في يد الملك ولم يكن هناك مفراً من بتر أصبع الملك. بعد أن تعافي الملك جلس في فراشه حزيناً، دخل عليه صديقه فقال له الملك: (إنه أمر سيئ للغاية أن يفقد الإنسان إصبعاً كاملاً) فقال له الصديق: (بالعكس)، نهض الملك من فراشه بعصبية وطالب الصديق أن يثبت هذه الـ( بالعكس)، فشل الصديق وسيطر عليه الصمت، فرح الملك وقال له: لقد كنت أنتظر هذا اليوم منذ طفولتنا.. والآن حكمت عليك بالسجن لمدة سنة كاملة. ذهب الصديق إلي السجن وشعر الملك براحة كبيرة تغمره، وفي يوم اشتاق للصيد، فأخذ بندقيته وذهب إلي الغابة بمفرده، وهناك ضل طريقه وفجأة وجد نفسه محاصراً بأفراد من قبيلة لآكلي لحوم البشر كانت تعيش علي أطراف الغابة. فرح الصيادون بغنيمتهم وسحبوها إلي مطبخ القبيلة وأشعلوا النار تحت قدر كبير به ماء وقاموا بتجهيز السفرة استعداداً لتناول وجبتهم الشهية، كان الملك يرتعد خوفاً وقال لنفسه: إنه ذنب صديقه الملقي خلف الأسوار، اقترب منه زعيم القبيلة ببطء ليحظي بشرف افتتاح البوفيه بأن يتناول كف الفريسة نيئاً حسب عاداتهم، وعندما أمسك يد الملك أصابه حزن عظيم فقد وجده ناقصاً وهنا سيطرت همهمات حزينة علي كل أفراد القبيلة، لقد تبخر حلمهم لأن عاداتهم تقضي ألا يتناولوا إلا الفريسة الكاملة، وإذا ما تناولوا فريسة مبتورة الساق أو الأذن أو ينقصها أي شيء ستصب الآلهة عليهم لعنة «كومبو» تجعلهم يبدأون في التهام بعضهم البعض. أطلقوا سراح الملك الذي عاد إلي قصره سعيداً لكنه كان يشعر أن ظلماً ما قد وقع علي صديقه فقد أنقذه الإصبع المبتور من الموت واتضح أن بتر إصبع ليس أمراً سيئاً..بالعكس. ذهب بنفسه إلي صديقه ليطلق سراحه وقص عليه ما حدث واعتذر له قائلاً: (إنه أمر سيئ أن تقضي كل هذا الوقت في السجن) ابتسم الصديق قائلاً: (بالعكس)، ظهر الغضب من جديد علي وجه الملك فقال له الصديق: (لو لم أكن في السجن كانوا أكلوني أنا ).
عمر طاهر...........الدستور الأثنين 15/3/2010
عمر طاهر...........الدستور الأثنين 15/3/2010