القناص (ق-1)
لم تكن تلك الأيام العصيبة كأيامنا. و لم يكن
الحال كحالنا. و لكن المؤكد أن هذا الرجل هو واحد مننا....إنه القناص (ق -1). ق هي
فئته قناصاً ، أما 1 فهو دلالة على أنه الأميز في قناصة الجيش المصري. لقد ذاق
مرارة العلقم كغيره من الجنود في عام 1967م. و عاش حياة المهزوم كغيره من شعب مصر.
و لكن تعلم الدرس من الهزيمة فلم يكن على استعداد لتلقى غيرها مرة أخرى مهما كان
الثمن.ربما تشرب ذلك من قيادته الحكيمة التي أعادت بناء الصف.أو ربما من رفاقه
المتطلعين إلى تحرير الأرض مهما كان المقابل. لقي القناص (ق-1) شهرةً واسعة في
أرجاء الجيش المصري؛ نظراً لما يتمتع به من قدرات فريدة.و لأنه يعلم أن الفضل في
ذلك يعود إلى التدريب الجاد لذا لم يتخلف يوما عن التدريب و لم يتخاذل عنه أبدا
أبان أيام اللاسلم و اللاحرب. اللاسلم و اللاحرب ..... إنها الفترة التي شيد فيها
العدو خط بارليف و ساترة الترابي إنها طبيعة الصهاينة الجبن مهما كان تفوقهم هكذا
كان يقول دائما.
في صباح
السادس من أكتوبر تم استدعائه إلى القيادة. تسلم مظروفاً مكتوباً عليه(يفتح في
الثانية ظهراً). في تمام الثانية ظهراً لاحظ الجيش المصري المرابط غرب القناة
تحركات غريبة من حولهم. الطائرات المصرية تغدو تجاه سيناء كالرماح.فض (ق-1)
المظروف كان نصه(عليك إتباع الكتيبة18 في تحركاتها).اتجه صوب قائد الكتيبة18 الذي
فض مظروفه ليجد أمراً بالعبور.
الكتيبة
تشق عباب الأمواج الآن. الكتيبة في طريقها إلى منطقة الممرات.أحرزت الكتيبة تقدماً
باهراً و استطاعت السيطرة على الهدف. و لكن لم تكن هذه النهاية؛ فبعد هزيمة
إسرائيل أيقن جنرالاتها صعوبة الدخول في حرب موسعة لذا قرروا الهجوم المكثف على
بعض المناطق الاستراتيجية و كان من بينها موقع الكتيبة18 نحو الممرات فيما عرف
بمعركة المزرعة الصينية.دارت معركة طاحنة و لكن كان للقدر كلمته؛ لقد استطاعوا
تطويق الجيش الثالث و عمل الثغرة. كان(ق-1) في موقعه لا يكل و لا يمل.فكم من جند
قد أقتنصهم إلى جانب العديد من الدبابات.الجيش الثالث تحت الحصار منذ الآن.القيادة
المصرية في وضع لا تحسد عليه.ليست المشكلة في كفاءة الجيش الثالث؛ إنه قادر على
الحفاظ على ما تبقى من الأرض و تحرير نفسه من جديد. و لكن المشكلة تتجسد في انعزاله
عن باقي الجيش. كيف يستطيع جيش القتال دون مزيد من الذخيرة، مزيد من الطعام، مزيد
من الماء؟!!.حينها قررت القيادة المصرية محاولة مد الجيش الثالث بالمؤن مهما كان
حجم الخسائر.لم يكن من طريق للمحاولات تسلكه سوى الممر لما امتاز به من طبيعة
جغرافية.لقد كانت مياه القناة تمر فيه بين جبلين وكأنهما شقي الرحى و خلف كل شق
يكمن أحد الجيشين.كانت المهمة أشبه بالمستحيل؛ فكيف يستطيع القارب المرور بالمؤن
دون أن يصاب بأذى؟.ما زال (ق-1) مرابطاً في موقعه الخفي أعلى الجبل المواجه للعدو.
ها هو القارب يلوح إلى الأفق من بعيد. استطاع العدو رصده كما كان متوقعاً.تقدم
جنود العدو من خلف الجبل إلى سفحه محاولين إصابة القارب.السماء تمطر رصاصاً و لكن
لا خطر على القارب المصنوع من مادة مصفحة ضد الرصاص و المزود بمادة ضد الحريق، و
لكن الخطر كل الخطر أن يصاب قائد القارب بأذى؛ فموت قائد القارب يحكم على المحاولة
بالفشل.تسعة جنود على سفح الجبل يحاولون الفتك بالقارب. خرج الأسد(ق-1) عن صمته و
ها هو الأسد يخرج من عرينه ليصطاد الفريسة تلو الفريسة. لقد مر القارب بسلام و
استطاع (ق-1) الفتك بتسعة جنود بمفرده. لم يرغب العدو في حرب موسعة لذا لم يوجه
حجم أكبر من جنوده؛ إنه يخشى المواجهة المباشرة مع جيشنا الثالث. تلك هي ثقافة
القتال الصهيوني الذي يخشى الحرب دون جدر محصنة و كان هذا ما يعلمه (ق-1) جيداً و
كذلك بطبيعة الحال قيادته المصرية التي نهل منها خبراته العسكرية الواسعة.نجحت هذه
المحاولة عدة مرات و كل ذلك بفضل (ق-1). (ق-1) الآن هو فرس الرهان، أنه المنقذ لجيش بأكمله. العدو
يخطط الآن للفتك بهذا القناص الماهر. لا يستطيع أحد تحديد موقعه؛ فالجهة المقابلة
من الجبل تمتد لمسافة الكيلو متر. ليس من السهل تحديد موقعه. هنا لجأ العدو إلى
أسلوب الخداع.لقد أحضر أحد الأسرى المصريين و ألبسه حلة المقاتل الإسرائيلي و تم
وضعه على سفح الجبل. كان قناصة العدو في مخابئهم منتظرين اقتناص أسيرنا لتحديد
موقع القناص المصري. و في خلال دقائق معدودات صوبت إليه رصاصة من طراز خارق حارق
استطاع قناصة العدو على أثرها تحديد موقع القناص المصري. أطلق القناصة الرصاص
باتجاه الموقع و تم قذف الجبل بالمدفعية الثقيلة بامتداد مسافة مئة متر حول الموقع
. لقد قتل القناص المصري هكذا رأى العدو جثته تتساقط كأنها السيل من علي. لقد نفذت
رصاصة إلى قلبه الذي لم يذرف بالدمع من قبل و لكن ها هو قلبه الآن يذرف الدماء
فداءاً لهذا الوطن.
أذاع العدو
نبأ موت القناص المصري. الآن (ق-1) قد أصبح ذكرى و لكنه رحل بعد أن نفذ مهمته؛
فللجيش الثالث الآن مخزون من الطعام يكفيه لمدة أسبوع كامل.
و في يوم الرابع و العشرين من أكتوبر لعام 1973م
توقف القتال بناءاً على قرار مجلس الأمن رقم 388 الصادر في يوم الثالث و العشرين
من أكتوبر لعام 1973م. تم فض الاشتباك. لقد انتهت الحرب و يتم الآن فصل القوات. الجيش
الثالث يخرج من الحصار بعد صمود عظيم و دفاع مستميت عن أرض الكرامة. كانت المفاجأة
الكبرى بانتظار الجيش كله و كذلك القيادة في مقر قيادة القناصة. ها هو (ق-1) يعود
سالماً.(ق-1) لم يمت كما أعتقد الجميع. لم يكن (ق-1) الذي وقع في الفخ و أطلق
الرصاص على الفريسة الوهمية لقد كان (ق-4). (ق-4)؟!!!!. نعم أنه (ق-4) الذي صدرت
له الأوامر بالانتقال إلى الممر لمساعدة (ق-1) في مهمته.
(ق-1) ما
زال حياً و سيظل حياً بداخل كل مصري مهما تبدلت الأحوال و تغيرت المواقع.
بقلم
شريف عبدالعزيز
لم تكن تلك الأيام العصيبة كأيامنا. و لم يكن
الحال كحالنا. و لكن المؤكد أن هذا الرجل هو واحد مننا....إنه القناص (ق -1). ق هي
فئته قناصاً ، أما 1 فهو دلالة على أنه الأميز في قناصة الجيش المصري. لقد ذاق
مرارة العلقم كغيره من الجنود في عام 1967م. و عاش حياة المهزوم كغيره من شعب مصر.
و لكن تعلم الدرس من الهزيمة فلم يكن على استعداد لتلقى غيرها مرة أخرى مهما كان
الثمن.ربما تشرب ذلك من قيادته الحكيمة التي أعادت بناء الصف.أو ربما من رفاقه
المتطلعين إلى تحرير الأرض مهما كان المقابل. لقي القناص (ق-1) شهرةً واسعة في
أرجاء الجيش المصري؛ نظراً لما يتمتع به من قدرات فريدة.و لأنه يعلم أن الفضل في
ذلك يعود إلى التدريب الجاد لذا لم يتخلف يوما عن التدريب و لم يتخاذل عنه أبدا
أبان أيام اللاسلم و اللاحرب. اللاسلم و اللاحرب ..... إنها الفترة التي شيد فيها
العدو خط بارليف و ساترة الترابي إنها طبيعة الصهاينة الجبن مهما كان تفوقهم هكذا
كان يقول دائما.
في صباح
السادس من أكتوبر تم استدعائه إلى القيادة. تسلم مظروفاً مكتوباً عليه(يفتح في
الثانية ظهراً). في تمام الثانية ظهراً لاحظ الجيش المصري المرابط غرب القناة
تحركات غريبة من حولهم. الطائرات المصرية تغدو تجاه سيناء كالرماح.فض (ق-1)
المظروف كان نصه(عليك إتباع الكتيبة18 في تحركاتها).اتجه صوب قائد الكتيبة18 الذي
فض مظروفه ليجد أمراً بالعبور.
الكتيبة
تشق عباب الأمواج الآن. الكتيبة في طريقها إلى منطقة الممرات.أحرزت الكتيبة تقدماً
باهراً و استطاعت السيطرة على الهدف. و لكن لم تكن هذه النهاية؛ فبعد هزيمة
إسرائيل أيقن جنرالاتها صعوبة الدخول في حرب موسعة لذا قرروا الهجوم المكثف على
بعض المناطق الاستراتيجية و كان من بينها موقع الكتيبة18 نحو الممرات فيما عرف
بمعركة المزرعة الصينية.دارت معركة طاحنة و لكن كان للقدر كلمته؛ لقد استطاعوا
تطويق الجيش الثالث و عمل الثغرة. كان(ق-1) في موقعه لا يكل و لا يمل.فكم من جند
قد أقتنصهم إلى جانب العديد من الدبابات.الجيش الثالث تحت الحصار منذ الآن.القيادة
المصرية في وضع لا تحسد عليه.ليست المشكلة في كفاءة الجيش الثالث؛ إنه قادر على
الحفاظ على ما تبقى من الأرض و تحرير نفسه من جديد. و لكن المشكلة تتجسد في انعزاله
عن باقي الجيش. كيف يستطيع جيش القتال دون مزيد من الذخيرة، مزيد من الطعام، مزيد
من الماء؟!!.حينها قررت القيادة المصرية محاولة مد الجيش الثالث بالمؤن مهما كان
حجم الخسائر.لم يكن من طريق للمحاولات تسلكه سوى الممر لما امتاز به من طبيعة
جغرافية.لقد كانت مياه القناة تمر فيه بين جبلين وكأنهما شقي الرحى و خلف كل شق
يكمن أحد الجيشين.كانت المهمة أشبه بالمستحيل؛ فكيف يستطيع القارب المرور بالمؤن
دون أن يصاب بأذى؟.ما زال (ق-1) مرابطاً في موقعه الخفي أعلى الجبل المواجه للعدو.
ها هو القارب يلوح إلى الأفق من بعيد. استطاع العدو رصده كما كان متوقعاً.تقدم
جنود العدو من خلف الجبل إلى سفحه محاولين إصابة القارب.السماء تمطر رصاصاً و لكن
لا خطر على القارب المصنوع من مادة مصفحة ضد الرصاص و المزود بمادة ضد الحريق، و
لكن الخطر كل الخطر أن يصاب قائد القارب بأذى؛ فموت قائد القارب يحكم على المحاولة
بالفشل.تسعة جنود على سفح الجبل يحاولون الفتك بالقارب. خرج الأسد(ق-1) عن صمته و
ها هو الأسد يخرج من عرينه ليصطاد الفريسة تلو الفريسة. لقد مر القارب بسلام و
استطاع (ق-1) الفتك بتسعة جنود بمفرده. لم يرغب العدو في حرب موسعة لذا لم يوجه
حجم أكبر من جنوده؛ إنه يخشى المواجهة المباشرة مع جيشنا الثالث. تلك هي ثقافة
القتال الصهيوني الذي يخشى الحرب دون جدر محصنة و كان هذا ما يعلمه (ق-1) جيداً و
كذلك بطبيعة الحال قيادته المصرية التي نهل منها خبراته العسكرية الواسعة.نجحت هذه
المحاولة عدة مرات و كل ذلك بفضل (ق-1). (ق-1) الآن هو فرس الرهان، أنه المنقذ لجيش بأكمله. العدو
يخطط الآن للفتك بهذا القناص الماهر. لا يستطيع أحد تحديد موقعه؛ فالجهة المقابلة
من الجبل تمتد لمسافة الكيلو متر. ليس من السهل تحديد موقعه. هنا لجأ العدو إلى
أسلوب الخداع.لقد أحضر أحد الأسرى المصريين و ألبسه حلة المقاتل الإسرائيلي و تم
وضعه على سفح الجبل. كان قناصة العدو في مخابئهم منتظرين اقتناص أسيرنا لتحديد
موقع القناص المصري. و في خلال دقائق معدودات صوبت إليه رصاصة من طراز خارق حارق
استطاع قناصة العدو على أثرها تحديد موقع القناص المصري. أطلق القناصة الرصاص
باتجاه الموقع و تم قذف الجبل بالمدفعية الثقيلة بامتداد مسافة مئة متر حول الموقع
. لقد قتل القناص المصري هكذا رأى العدو جثته تتساقط كأنها السيل من علي. لقد نفذت
رصاصة إلى قلبه الذي لم يذرف بالدمع من قبل و لكن ها هو قلبه الآن يذرف الدماء
فداءاً لهذا الوطن.
أذاع العدو
نبأ موت القناص المصري. الآن (ق-1) قد أصبح ذكرى و لكنه رحل بعد أن نفذ مهمته؛
فللجيش الثالث الآن مخزون من الطعام يكفيه لمدة أسبوع كامل.
و في يوم الرابع و العشرين من أكتوبر لعام 1973م
توقف القتال بناءاً على قرار مجلس الأمن رقم 388 الصادر في يوم الثالث و العشرين
من أكتوبر لعام 1973م. تم فض الاشتباك. لقد انتهت الحرب و يتم الآن فصل القوات. الجيش
الثالث يخرج من الحصار بعد صمود عظيم و دفاع مستميت عن أرض الكرامة. كانت المفاجأة
الكبرى بانتظار الجيش كله و كذلك القيادة في مقر قيادة القناصة. ها هو (ق-1) يعود
سالماً.(ق-1) لم يمت كما أعتقد الجميع. لم يكن (ق-1) الذي وقع في الفخ و أطلق
الرصاص على الفريسة الوهمية لقد كان (ق-4). (ق-4)؟!!!!. نعم أنه (ق-4) الذي صدرت
له الأوامر بالانتقال إلى الممر لمساعدة (ق-1) في مهمته.
(ق-1) ما
زال حياً و سيظل حياً بداخل كل مصري مهما تبدلت الأحوال و تغيرت المواقع.
بقلم
شريف عبدالعزيز