قلب الظلام..
تخيَّل نفسك فى مكان ما، لا تألفه جيِّداً، ثم انقطعت الأضواء كلها فجأة، ووجدت نفسك فى قلب الظلام..
ظلام دامس رهيب، يحيط بك من كل جانب، ويرسم فى خيالك عشرات الصور، والأوهام، والمخاوف، ويرهف حواسك حتى لتبدو أية حركة بسيطة أشبه بزحف ثعبان سام، أو انقضاضة خفاش قاتل، أو فحيح عفريت من الجن، أو… أو..
كل هذا سيصنعه عقلك فى قلب الظلام، الذى سيجعلك ترتجف، وترتجف، وربما إلى درجة الرعب..
وهنا تكمن (الفوبيا)..
(فوبيا) الظلام..
و(فوبيا) الظلام هذه هى أكثر أنواع المخاوف المرضية انتشاراً، وتعود أسبابها، فى نظر معظم علماء النفس الأمريكيين، إلى خوف الإنسان الغريزى من المجهول…
أى مجهول..
فمنذ عصور ما قبل التاريخ، كان الإنسان يدرك أنه محاط بمخاوف لا حصر لها..
مخاوف من الأعداء، والوحوش، والحيوانات، والحشرات السامة، وحتى من الطبيعة نفسها..
ولأنه لم يدر أبداً من أين تأتيه الضربة، أصبح يخشى كل من حوله..
وكل ما حوله..
ولأن الظلام غامض ومجهول، ووسائله لا تسمح له بكشف ما يحدث داخله، فقد اعتاد الإنسان القديم أن يخشى الظلام، ويخافه، ويتحاشاه بكل الوسائل الممكنة..
وربما لهذا، اخترع الإنسان النار، لكى يبدِّد بوهجها ما يحيط به من ظلام، ويخيف أعداءه، ويرى طريقه طوال الوقت..
وعلى الرغم من تطوّر العلم ووسائل الإنارة، احتفظ الإنسان بخوفه المرضى الموروث من الظلام، والمجهول، وكل ما يستغلق عليه معرفته أو فهمه..
بل ويقول البعض أن تطوّر وسائل الإنارة قد ضاعف من خوف الإنسان الحديث من الظلام، فقد اعتاد مع الوقت أن يحيا فى أضواء مبهرة، تحيط به فى كل لحظة، وأن يطوّعها ويطوِّرها بضغطة زر واحدة، فيغيِّر من شدتها، وتوهّجها، وانتشارها..
ولأنه قد اعتاد هذا، فما أن يحيط به الظلام، حتى ينتابه خوف مرضى عنيف، فيضطرب ويتخبَّط، ويدور حول نفسه، وربما يبلغ مرحلة الرعب العنيف أيضاً..
والواقع أن الحداثة قد أضافت إلى البشر عشرات المخاوف، التى ترتبط كلها بالظلام، وخاصة مع موجة أفلام الرعب، والأشباح، والعفاريت، التى ساعدت خياله على أن يتصوَّر عشرات الأعداء الوهميين، الذين يتحفزون للانقضاض عليه، من كل ركن مظلم..
ونحن نساهم كثيراً فى زرع (فوبيا) الظلام، فى نفوس أبنائنا وبناتنا، عندما نروى لهم قصص الجن والعفاريت وغيرها..
الأمر الطريف، أن بعض أنواع الحيوانات أيضاً تخشى الظلام، وتسعى دوماً للتواجد فى أية بقعة من الضوء، مما يوحى بأن هذا الخوف بالذات له أصول فى خلايانا وأدمغتنا، ونفوسنا كذلك..
والخوف المرضى من الظلام يتشارك مع خوف آخر، على نحو متلازم فى كثير من الأحياء، ومنفصل فى أحيان أخرى، وهو الخوف من الأماكن المغلقة..
وتلازم الخوف من الظلام مع (فوبيا) الأماكن المغلقة يعود أيضاً إلى خشية الإنسان الشديدة من الموت، إذ تبدو له الأماكن المغلقة أشبه بالقبر، فإذا ما أضيف إليها الظلام، تضاعفت الصورة، وتضخَّمت، وبلغت حد الانهيار..
وفى حالات عديدة، أصيب أمثال هؤلاء المرضى بجنون مطبق، بعد بقائهم لخمس ساعات فقط، فى أماكن مظلمة مغلقة، و97% منهم أصابهم هذا داخل مصاعد معطلة، أثناء حالات انقطاع التيار العرضية..
وهلع المصاعد هو الصورة المثلى، والأكثر انتشاراً، لمرضى (فوبيا) الأماكن المغلقة، فبالنسبة لهذه الفئة، يعتبر المصعد مجرَّد قبر متحرِّك، حتى أنه هناك حالة مسَّجلة لمواطن أمريكى، ظل طيلة عمره يقيم فى أدوار منخفضة، أو فى منازل مستقلة، من طابق أو طابقين على الأكثر، وكان يرفض العديد من الوظائف الممتازة، على الرغم من كفاءته الشديدة؛ لمجرَّد أن الشركات التى تلقى عروضها، تحتل بعض الطوابق العليا، فى ناطحات سحاب شاهقة، وعندما قبل أخيراً عرضاً لشركة (ميكروسوفت)، فى فرع لها، فى الطابق الخامس من بناية كبيرة، ظل طوال فترة عمله فيها يصعد إلى مكتبه عبر درجات السلم، ولم يستقل المصعد مرة واحدة..
وهناك حالة مسجلة أخرى لمريضة شابة، لم تصعد منفردة فى أى مصعد قط، حتى أنها كانت تقف إلى جوار أى مصعد لساعات، حتى يظهر راكب آخر، لتشعر أنها ليست وحدها داخل مصعد مغلق..
وحتى فى وجود ركاب آخرين، كانت تصاب بحالة عجيبة من التخشُّب طوال الوقت، أثناء صعود أو هبوط المصعد، وتتسع عيناها فى رعب هائل، على نحو يوحى بأنها تخوض أشد لحظاتها صعوبة..
وعلى عكس تلك الحالة تماماً، كانت هناك حالة أخرى، لامرأة فى منتصف العمر، ترفض تماماً أن تستقل المصعد، فى وجود آخرين، على الرغم من خوفها الشديد من الأماكن المغلقة، ولكنها كانت مصابة بخوف أكثر مرضية، من الغرباء..
أى غرباء..
والخوف من الظلام والأماكن المغلقة، يقود إلى خوف آخر، مشابه أو متلازم، أو ينتمى إلى المجموعة نفسها..
الخوف من البحر..
أو من أعماق البحر.
والخوف من البحر، وأعماق البحر، ينتمى إلى (فوبيا) ذات مجموعة ضخمة للغاية، ألا وهى (فوبيا) المجهول..
أى مجهول..
فالبحر يمثل لأصحاب هذا المرض مساحة ممتدة إلى مدى البصر، وأعماق غامضة مريبة، لا يمكنهم رؤيتها، أو معرفتها، أو استنباط ما يدور فيها، أو ينتشر عبرها..
وككل مجهول، يعطى البحر للمرضى بهذه (الفوبيا) شعور غامض بالخوف وعدم الأمان، خاصة وأن خيالهم يضخم دوماً كل ما يتلقونه من معلومات عن أعماق البحر، ويمزج كل هذه المعلومات بمخاوفهم، بحيث يتصورون طوال الوقت أن وحشاً سينقض عليهم، أو كائناً مفترساً سيلتهمهم، أو حتى دوَّامة مفاجئة ستبتلعهم، أو تيار قوى سيسحبهم إلى أعمق الأعماق، حيث يموتون مختنقين، على نحو يثير رعبهم، حتى فى أحلامهم وكوابيسهم..
والمصابون بهذه (الفوبيا) لا يمارسون رياضة السباحة أو الغوص أبداً، بل إن بعضهم قد يتحاشى رؤية أية أفلام سينمائية، تتحدَّث عن البحر وأعماقه، أو قراءة أية رواية من روايات البحر..
وبعض الحالات الخفيفة، من (فوبيا) الأعماق، يتمكن أصحابها من السباحة والغوص، ولكن فى أحواض السباحة فقط، حيث يمكنهم رؤية القاع فى وضوح، وتحديد كل تفاصيله أو تضاريسه، قبل المجازفة بالغوص فى أعماقه..
وفى واحدة من الحالات المسجَّلة، كانت المريضة ترفض وضع قدميها فى أى مساحة من المياه، حتى فى حوض الاستحمام المنزلى، بل أنها كانت ترتجف ارتجافة عنيفة، لرؤية أى حوض استحمام، ولو كان فارغاً تماماً..
وفى حالة أكثر عنفاً، كان المريض يرفض تناول ماء الشرب نفسه، ما لم يكن داخل وعاء شفاف، يمكنه منه رؤية قاعه فى وضوح..
وهناك حالة نادرة للغاية، لشاب ولد فى أسرة من الصيادين، ظل طيلة عمره يخشى مجرَّد لمس مياه البحر لقدميه، وعندما حاول أفراد أسرته تخليصه من هذا الخوف المرضى، بأسلوبهم البسيط المباشر، حملوه عنوة، وألقوه وسط الماء، على مسافة متر واحد من الشاطئ، وعلى الرغم من أن عمق المياه هناك، لم يكن يتجاوز السنتيمترات العشرة، إلا أن الشاب أصيب بفزع شديد، وراح يضرب الماء بذراعيه بكل رعب الدنيا، فى نفس الوقت الذى دفن فيه رأسه فى شبر من الماء، دون سبب معروف، على الرغم من محاولة الكل انتشاله، حتى لقى مصرعه غرقاً، أمام عيون الجميع!!..
ولقد أصيب الكل بالذهول، وهم يخرجون جثته، ويضعونها على الشاطئ، دون أدنى تفسير لما فعله بنفسه، والذى يتجاوز حدود كل عقل أو منطق..
ولكن أى عقل، وأى منطق، مع (فوبيا) مرضية؟!..
لقد فعلها الشاب، أياً كانت الأسباب، وقتل نفسه فى شبر من المياه، بسبب رعب هائل بلا حدود، ملك جوارحه، وألغى عقله تماماً، مع كل حواسه الأخرى..
د.نبيل فاروق
تخيَّل نفسك فى مكان ما، لا تألفه جيِّداً، ثم انقطعت الأضواء كلها فجأة، ووجدت نفسك فى قلب الظلام..
ظلام دامس رهيب، يحيط بك من كل جانب، ويرسم فى خيالك عشرات الصور، والأوهام، والمخاوف، ويرهف حواسك حتى لتبدو أية حركة بسيطة أشبه بزحف ثعبان سام، أو انقضاضة خفاش قاتل، أو فحيح عفريت من الجن، أو… أو..
كل هذا سيصنعه عقلك فى قلب الظلام، الذى سيجعلك ترتجف، وترتجف، وربما إلى درجة الرعب..
وهنا تكمن (الفوبيا)..
(فوبيا) الظلام..
و(فوبيا) الظلام هذه هى أكثر أنواع المخاوف المرضية انتشاراً، وتعود أسبابها، فى نظر معظم علماء النفس الأمريكيين، إلى خوف الإنسان الغريزى من المجهول…
أى مجهول..
فمنذ عصور ما قبل التاريخ، كان الإنسان يدرك أنه محاط بمخاوف لا حصر لها..
مخاوف من الأعداء، والوحوش، والحيوانات، والحشرات السامة، وحتى من الطبيعة نفسها..
ولأنه لم يدر أبداً من أين تأتيه الضربة، أصبح يخشى كل من حوله..
وكل ما حوله..
ولأن الظلام غامض ومجهول، ووسائله لا تسمح له بكشف ما يحدث داخله، فقد اعتاد الإنسان القديم أن يخشى الظلام، ويخافه، ويتحاشاه بكل الوسائل الممكنة..
وربما لهذا، اخترع الإنسان النار، لكى يبدِّد بوهجها ما يحيط به من ظلام، ويخيف أعداءه، ويرى طريقه طوال الوقت..
وعلى الرغم من تطوّر العلم ووسائل الإنارة، احتفظ الإنسان بخوفه المرضى الموروث من الظلام، والمجهول، وكل ما يستغلق عليه معرفته أو فهمه..
بل ويقول البعض أن تطوّر وسائل الإنارة قد ضاعف من خوف الإنسان الحديث من الظلام، فقد اعتاد مع الوقت أن يحيا فى أضواء مبهرة، تحيط به فى كل لحظة، وأن يطوّعها ويطوِّرها بضغطة زر واحدة، فيغيِّر من شدتها، وتوهّجها، وانتشارها..
ولأنه قد اعتاد هذا، فما أن يحيط به الظلام، حتى ينتابه خوف مرضى عنيف، فيضطرب ويتخبَّط، ويدور حول نفسه، وربما يبلغ مرحلة الرعب العنيف أيضاً..
والواقع أن الحداثة قد أضافت إلى البشر عشرات المخاوف، التى ترتبط كلها بالظلام، وخاصة مع موجة أفلام الرعب، والأشباح، والعفاريت، التى ساعدت خياله على أن يتصوَّر عشرات الأعداء الوهميين، الذين يتحفزون للانقضاض عليه، من كل ركن مظلم..
ونحن نساهم كثيراً فى زرع (فوبيا) الظلام، فى نفوس أبنائنا وبناتنا، عندما نروى لهم قصص الجن والعفاريت وغيرها..
الأمر الطريف، أن بعض أنواع الحيوانات أيضاً تخشى الظلام، وتسعى دوماً للتواجد فى أية بقعة من الضوء، مما يوحى بأن هذا الخوف بالذات له أصول فى خلايانا وأدمغتنا، ونفوسنا كذلك..
والخوف المرضى من الظلام يتشارك مع خوف آخر، على نحو متلازم فى كثير من الأحياء، ومنفصل فى أحيان أخرى، وهو الخوف من الأماكن المغلقة..
وتلازم الخوف من الظلام مع (فوبيا) الأماكن المغلقة يعود أيضاً إلى خشية الإنسان الشديدة من الموت، إذ تبدو له الأماكن المغلقة أشبه بالقبر، فإذا ما أضيف إليها الظلام، تضاعفت الصورة، وتضخَّمت، وبلغت حد الانهيار..
وفى حالات عديدة، أصيب أمثال هؤلاء المرضى بجنون مطبق، بعد بقائهم لخمس ساعات فقط، فى أماكن مظلمة مغلقة، و97% منهم أصابهم هذا داخل مصاعد معطلة، أثناء حالات انقطاع التيار العرضية..
وهلع المصاعد هو الصورة المثلى، والأكثر انتشاراً، لمرضى (فوبيا) الأماكن المغلقة، فبالنسبة لهذه الفئة، يعتبر المصعد مجرَّد قبر متحرِّك، حتى أنه هناك حالة مسَّجلة لمواطن أمريكى، ظل طيلة عمره يقيم فى أدوار منخفضة، أو فى منازل مستقلة، من طابق أو طابقين على الأكثر، وكان يرفض العديد من الوظائف الممتازة، على الرغم من كفاءته الشديدة؛ لمجرَّد أن الشركات التى تلقى عروضها، تحتل بعض الطوابق العليا، فى ناطحات سحاب شاهقة، وعندما قبل أخيراً عرضاً لشركة (ميكروسوفت)، فى فرع لها، فى الطابق الخامس من بناية كبيرة، ظل طوال فترة عمله فيها يصعد إلى مكتبه عبر درجات السلم، ولم يستقل المصعد مرة واحدة..
وهناك حالة مسجلة أخرى لمريضة شابة، لم تصعد منفردة فى أى مصعد قط، حتى أنها كانت تقف إلى جوار أى مصعد لساعات، حتى يظهر راكب آخر، لتشعر أنها ليست وحدها داخل مصعد مغلق..
وحتى فى وجود ركاب آخرين، كانت تصاب بحالة عجيبة من التخشُّب طوال الوقت، أثناء صعود أو هبوط المصعد، وتتسع عيناها فى رعب هائل، على نحو يوحى بأنها تخوض أشد لحظاتها صعوبة..
وعلى عكس تلك الحالة تماماً، كانت هناك حالة أخرى، لامرأة فى منتصف العمر، ترفض تماماً أن تستقل المصعد، فى وجود آخرين، على الرغم من خوفها الشديد من الأماكن المغلقة، ولكنها كانت مصابة بخوف أكثر مرضية، من الغرباء..
أى غرباء..
والخوف من الظلام والأماكن المغلقة، يقود إلى خوف آخر، مشابه أو متلازم، أو ينتمى إلى المجموعة نفسها..
الخوف من البحر..
أو من أعماق البحر.
والخوف من البحر، وأعماق البحر، ينتمى إلى (فوبيا) ذات مجموعة ضخمة للغاية، ألا وهى (فوبيا) المجهول..
أى مجهول..
فالبحر يمثل لأصحاب هذا المرض مساحة ممتدة إلى مدى البصر، وأعماق غامضة مريبة، لا يمكنهم رؤيتها، أو معرفتها، أو استنباط ما يدور فيها، أو ينتشر عبرها..
وككل مجهول، يعطى البحر للمرضى بهذه (الفوبيا) شعور غامض بالخوف وعدم الأمان، خاصة وأن خيالهم يضخم دوماً كل ما يتلقونه من معلومات عن أعماق البحر، ويمزج كل هذه المعلومات بمخاوفهم، بحيث يتصورون طوال الوقت أن وحشاً سينقض عليهم، أو كائناً مفترساً سيلتهمهم، أو حتى دوَّامة مفاجئة ستبتلعهم، أو تيار قوى سيسحبهم إلى أعمق الأعماق، حيث يموتون مختنقين، على نحو يثير رعبهم، حتى فى أحلامهم وكوابيسهم..
والمصابون بهذه (الفوبيا) لا يمارسون رياضة السباحة أو الغوص أبداً، بل إن بعضهم قد يتحاشى رؤية أية أفلام سينمائية، تتحدَّث عن البحر وأعماقه، أو قراءة أية رواية من روايات البحر..
وبعض الحالات الخفيفة، من (فوبيا) الأعماق، يتمكن أصحابها من السباحة والغوص، ولكن فى أحواض السباحة فقط، حيث يمكنهم رؤية القاع فى وضوح، وتحديد كل تفاصيله أو تضاريسه، قبل المجازفة بالغوص فى أعماقه..
وفى واحدة من الحالات المسجَّلة، كانت المريضة ترفض وضع قدميها فى أى مساحة من المياه، حتى فى حوض الاستحمام المنزلى، بل أنها كانت ترتجف ارتجافة عنيفة، لرؤية أى حوض استحمام، ولو كان فارغاً تماماً..
وفى حالة أكثر عنفاً، كان المريض يرفض تناول ماء الشرب نفسه، ما لم يكن داخل وعاء شفاف، يمكنه منه رؤية قاعه فى وضوح..
وهناك حالة نادرة للغاية، لشاب ولد فى أسرة من الصيادين، ظل طيلة عمره يخشى مجرَّد لمس مياه البحر لقدميه، وعندما حاول أفراد أسرته تخليصه من هذا الخوف المرضى، بأسلوبهم البسيط المباشر، حملوه عنوة، وألقوه وسط الماء، على مسافة متر واحد من الشاطئ، وعلى الرغم من أن عمق المياه هناك، لم يكن يتجاوز السنتيمترات العشرة، إلا أن الشاب أصيب بفزع شديد، وراح يضرب الماء بذراعيه بكل رعب الدنيا، فى نفس الوقت الذى دفن فيه رأسه فى شبر من الماء، دون سبب معروف، على الرغم من محاولة الكل انتشاله، حتى لقى مصرعه غرقاً، أمام عيون الجميع!!..
ولقد أصيب الكل بالذهول، وهم يخرجون جثته، ويضعونها على الشاطئ، دون أدنى تفسير لما فعله بنفسه، والذى يتجاوز حدود كل عقل أو منطق..
ولكن أى عقل، وأى منطق، مع (فوبيا) مرضية؟!..
لقد فعلها الشاب، أياً كانت الأسباب، وقتل نفسه فى شبر من المياه، بسبب رعب هائل بلا حدود، ملك جوارحه، وألغى عقله تماماً، مع كل حواسه الأخرى..
د.نبيل فاروق