استيقظ مبكرا فى الصباح كعادته فى الأيام التى لم يكن لديه عمل فى ليلة بارحه. ارتدى جلبابه الأبيض الأنيق وتشلح عبائته السوداء و انطلق فى طريقه الى المقابر كعادته كل يوم مارا بطريقه بأولاد منطقته . فكان اذا خرج من باب بيته يلقى عم حسن فى المتجر الذى أمامه فينصرف مسرعا دون أن ينطق ببنة شفاة ؛ فهذا الرجل يحمل الكثير من الذكريات العفنة التى لا يريد أن يرى أى منها حين ينظر الى عينيه . ثم يمر فى طريقه أيضا بفريد صديق طفولته و الذى أصبح طبيبا مشهورا تفتخر به الحارة كلها فهو رمز العلم كما أنه يتمتع بحب أهل الحارة كله و هو ما يفتقده بالكامل . مر بفريد دون أن يلقى له بالا ، ولكن فريد أبى أن يدعه يمضى دون أن يقضى لحظات من الأسى و الحسرة على حاله فنادى عليه و سلم عليه مبتسما كعادة فريد هذا الشخص الطيب الودود الذى لم و لن ينسى أبناء حارته الطيبين فما بالك اذا كان هو من بينهم . انطلق بعد أن رد السلام على فريد الى مبتغاه الى المقابر . جلس فى الطريق المؤدى اليها يتلذذ بعويل و صراخ النساء من حوله . لا يبدو عليه أى مظهر من مظاهر الحزن أو الأسى أو التعاطف مع هؤلاء النسوة الباكون . فلقد اعتاد ذلك كل يوم فلماذا اذا يتأثر أنه مجتمعه الذى يحبه أنهم زبائن المستقبل كما يظن .
ظل فى مكانه جالسا ينتظر مبتغاه متمنيا أن لا يكون اليوم كالبارحة ؛ فيوم أمس لم يكن الحال على ما يرام فلم يكن هناك أى زبون . و ها هى تنفرج أساريره حين يسمع أصواتا لرجال توحد الله و تذكره بصوت عال و نساء تصرخ ؛ اذا ربما يكون هناك زبون . انطلق من مكانه يجرى مسرعا تجاه الصوت لا يشعر بأى شئ من حوله و ليس عابئا بمنظره الغريب و هو يهرول تجاه الصوت كأنه وجد فريسته التى أخذ يبحث عنها طيلة هذا الأسبوع العقيم . قطع المسافة مسرعا غير عابئا بتحذيرات صديقه فريد المتكررة له أنه سيموت اذا استمر على عدم الاهتمام بصحته فقلبه الذى أجرى له عمليتين جراحيتين من قبل لا يسعفه لحياة كهذه التى يعيشها . حين وصل الى الجنازة دعا ربه أن يكون بها مبتغاه . انطلق بين الصفوف حتى يصل الى الصف الأول و استمر ينطلق الى أن وصل الى خشبة الميت . أخذ يرفع الخشبة على عنقه بدلا من رجل كبير كان قد أرهقه الحمل طيلة الطريق . فشكره الرجل على ذلك ولكنه قال له بابتسامة لا تلائم هذا الجو الحزين مطلقا : بل الشكر لك .
وصل الميت الى نهاية المطاف ؛ لقد وصل الى مدفنه . أخذ أهله يخرجونه من الخشبة فابتعد هو قليلا ليقف جوار الرجل الذى كان قد حمل عنه من قبل و أخذ يردد : أن المرحوم كان رجلا مخلصا رحمه الله . اندهش الرجل ثانية من كلامه و قال له : رجل مخلص . الخشبة بها سيدة و ليس رجل .
ما أن فرغ الرجل من قول هذا الا و قد ارتسمت البسمة من جديد على وجهه .؛ اذا هناك زبون اليوم .
فعاد ليسأل الرجل : و كم سن المرحومة ؟
رد الرجل باستغراب : من أنت أنا لم ألقاك من قبل ؟ و على أى حال أنها أخت زوجتى ماتت فى حادثة و عمرها 25 سنة .
ما أن فرغ الرجل من ذلك الا و قد تحولت البسمة على وجهه من رسمة الى نقش مزخرش . و انطلق خارج المدفن غير مجيبا على سؤال الرجل و دون أن ينطق ببنة شفاة مجددا .
انطلق فى طريقه عائدا الى منزله مارا بعم حسن مرة أخرى و الذى لا يدعه يمر دون محاولة ايذائه بأن يريه نفسه . لم يكن حسن مقذذ المنظر بل كان بهى الطلعة و لكنها الذكريات التى يحملها حسن هى التى تحول دون ذلك . و فى هذه المرة صعد الى منزله و أخذ يحضر أدوات عمله فلقد أخذ يحضر الحبل و الكشاف و الشاكوش و سكينة صغيرة فالأمر قد لا يسلم . لبث فى منزله الى أن دقت التاسعة مساء . حان الوقت ليلتقط سلالم منزله المتهالكة ليصل الى الحارة من جديد و لكنه لن يتجنب رؤية عم حسن من جديد بل أنه يحرص على رؤيته و التحديق فى عينيه و فى كل من يقابله من أهل الحارة فهو لا يمانع أن ينظر الى أى منهم او أن يتحدث معهم الا صديقه فريد فهو يتجنبه تماما كما يتجنب عم حسن فى صباحه –سبحان مغير الأحوال-.
وصل الى المدفن حيث دفنت المرحومة صباحا . قفز الى الداخل عبر استخدام الحبل الذى كان يسميه مفتاح الهنا . اتجه الى المكان الذى رآهم يدفنوها فيه صباحا . استطاع كسر القفل كعادته فكم هو بارع فى ذلك ؛ أنها خبرة السنين. نزل الى الأسفل أشعل كشافه الضوئى ليجد مبتغاه . لقد كانت مستلقاة على الأرض فى كفنها الأبيض . أخذ ينزع ثوب عفتها الذى حافظت عليه طول حياتها . و لم يكن باستطاعتها الحفاظ عليه الآن . و أخذ يفعل فعلته الوحشية بها فهو لا يجد اللذة الا فى معاشرة مثيلاتها . و لقد كان فى قمة النشوة فهو من أسعد أيام حياته ؛ أنها ما زالت فى ريعان الشباب لقد سأم كبيرات السن اللواتى يمتلأ المكان بعظامهن من حوله . فلقد سأم معاشرة اللواتى فارقن الحياة بعد أن عفى الزمان عنهن.
أخذ قرابة الساعة يفعل فعلته ثم أنهى ذلك و جلس ليستلقى بجوارها . أخذ يتحدث اليها بصوت جياش :
أرجو أن تكونى الآن فى قمة سعادتك كما هو حالى الآن . فأنا لا أقصد ايذائك بل أريدك أن تكونى حبيبتى على الأقل هذه اللية . أننى أتيت الى هنا لتعلمى مقدار حبى لكى . فما أفعله لا يجرؤ أى أحد على القيام به حتى ولا عم حسن هذا الرجل الكهل القذر ، هذا الخائن . و لكن ما ذنبه أنه ذنبها هى التى سلمته جسمها وشرفى . لقد قتلتها و هى الآن ترقد بالمدفن الذى أمامك . أما هو فقد هرب منى فى وقتها و أبلغ عنى الشرطة . و اذا كنت قد قضيت عقوبتى خمسة عشر سنة متألما فلقد زال كل هذا الألم حين خرجت لأجده مازال على قيد الحياة . اذا القدر يريدنى أن أعود لأنتقم و لكن ليس الآن فأنا لست على استعداد للعودة الى السجن الآن أو ربما فقد حياتى .
و لكن بعد هذه الليلة الممتعة السارة يا صغيرتى فلن أدعه يقضى يوما آخر على أرضنا هذه أو فى حارتنا بالتأكيد. فعقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات التى لقاها لارتكاب الزنا ليست لتشفى غليلى أو لترد كرامتى أمام أهل حارتى .الذين يرمقوننى بنظراتهم كلما مررت من أمامهم . فأنى أرى نظرات غريبة فى عيونهم لا أعلم اذا كانت نوعا من الشماتة أم التفهم لموقفى !! على أي حال فان هذا يغضبنى بل ويزيد من اصرارى على الفتك بك يا حسن .
قام من جديد من جنبها ثم قال : آسف يا عزيزتى على اطلاعك على همومى و أتمنى أن لا يؤثر ذلك على ليلتنا السعيدة هذه . فهيا بنا نستكمل ما بدأناه . و أخذ يرتكب جريمته الوحشية بها من جديد وكل أمانيه أن تكون كلمة بها معها ؛ فهو يود أن تكون واعية لما يفعله و تستجيب معه .
انهى فعلته الوحشية بها و انطلق كما دخل و لكنه كان حريصا على سترها فى اخرتها رغم كل ما ارتكبه فأعاد كل شئ الى مكانه . فلقد لفحها بردائها الأبيض بعد أن القى قبلة غريبة حانية على جبينها ليست من نوع القبلات الوحشية التى كان يفعلها بل هى من نوع آخر شئ كهذا الذى يشعر به الأب تجاه ابنته . لماذا لا ؟ فلو كان قد أنجب ممن قتلها ربما كان له ابنة فى عمر هذه الفتاة .كما أغلق القفل من جديد و سار فى طريقه الى الحارة .
ما أن وصل الى الحارة الا وكان فريد فى وجهه فتحاشاه من جديد ؛ربما لأنه يرى فيه صوت الضمير الذى مات بداخله و الذى كان يمنعه عن ارتكاب هذا الفعل الوحشى فى أول عهده به و هو نفسه الصوت الذى وبخه بعد ارتكابه لأول جريمة . و لكن هذا الصوت لم يعد تردده من ضمن الترددات التى يستطيع عصبه السمعى التقاطها ؛ فلقد صار هذا العصب حساسا لصوت العنف و النيكروفيليا فقط . بعد أن تحاشى فريد و أخذ يرى نظرات أهل الحارة له من حوله صعد الى منزله ثم نزل من جديد . نزل هذه المرة على غير عادته متجها الى دكان العم حسن . انتفض حسن حين رآه و قام من مجلسه و القى طرف الشيشة الذى فى فمه . أخرج سكينا من جلبابه و انطلق باتجاه حسن . أخذ حسن يقاومه ويصرخ بأعلى صوته . أسرع أهل الحارة الى مصدر الصوت لقد كان عم حسن يستغيث و لكن كان قد سبق السيف العذل ؛ لقد قتل حسن . قتله قتله اذا فعل كل ما يريده فى حياته . لم يعد يريد شئ من الحياة بعد ذلك . أمسك به أهل حارته و أبلغت الشرطة وتم القبض عليه وسط أهل الحارة الذين حرصوا على تسليمه الى الشرطة و وسط بعضهم الآخر الذى حاول تهريبه فهم يروا أنه قد انتقم لشرفه و كان عليه فعل ذلك منذ أن خرج من محبسه . حينها وجد تفسيرا لنظرات هؤلاء الذين طالما احتار فى تفسير نظراتهم الغريبة له . أما الطائفة الأولى فهم من رأوا أن خيانتها له مع عم حسن خطأه و أنه ليس رجلا. أما الآخرون فيرون أنه ليس رجلا لأنه لم يقتل من خان شرفه.
قبض عليه و أحيل الى المحاكمة وحكم عليه بالاعدام شنقا ليركب حافلة السجن من جديد التى أحالته من قبل ذلك ذلك الى السجن خمسة عشر عاما و ها هى تقله الآن الى نهاية المطاف . و بينما تسير الحافلة و هو ينظر من شباكها الحديدى الصغير ليلتقط نظراته الأخيرة لعالمنا هذا اذ بالحافلة تمر بجوار المقابر . أنها المقابر حيث كان يجد لذته الوحشية ها هو يمر بجوارها الآن و كأن القدر أراد أن يصطحب ثأر هؤلاء اللواتى ذبحن بعد الممات منه . و عند مروره هذه المرة سمع صراخا أيضا ها هى أنها جنازة جديدة ربما زبون جديد ولكنه لم يعبء هذه المرة اذا كان زبون أم لا ؛ فما فائدة أن تكون الجنازة لأنثى فهو غير قادر على ارتكاب جريمته من الآن . ولقد اختار هو هذا بنفسه حين قتل عم حسن . فاختار اعتزال النيكروفيليا بعد أن اقام مباراة اعتزال لائقة مع الفتاة . و ها هو ينطلق الآن الى حيث لا رجعة الى حيث النهاية الى حيث الجزاء الى حيث العقاب الى حيث نار العنف نار القتل نار النيكروفيليا .
بقلم
شريف عبدالعزيز